[المعاصي سبب هلاك الأمم]
إن المعاصي -يا عباد الله- لها عقوبات عاجلةٍ وآجلة، ولها آثار سيئة على العباد والبلاد، فكم أهلكت من أمة! وكم دمُرت من بلاد! فما في الدنيا والآخرة من شرور وداء وبلاءٍ إلا بسبب الذنوب والمعاصي.
فمن الذي أخبرنا إلا الله عز وجل، أخبرنا بالكتاب العزيز أنه أخرج الأبوين من الجنة آدم وحواء، أخرجهما من دار اللذة والنعيم، والبهجة والسرور؛ إلى دار الآلام والأحزان والمصائب، لما عصوا الله بذنب واحد، نهاهم عن الشجرة فأكلا.
وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء، وطرده ولعنه، ومسخ ظاهره وباطنه، فجُعلت صورته أقبح صورة وأشنعها، وبُدِّل بالقرب بعداً وبالرحمة لعنة، وبالجمال قبحاً، وبالجنة ناراً تلظى، وبالإيمان كفراً، وحلَّ عليه غضب الربِّ ومقته؟
وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق الجبال؟
وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض؛ كأنهم أعجاز نخل خاوية، ودمرت ما مرت عليه من ديارهم، وحروثهم وزروعهم ودوابهم؛ حتى صاروا عبرةً للأمم إلى يوم القيامة؟
وما الذي أرسل على ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم، وماتوا عن آخرهم؟
وما الذي رفع قرى قوم لوط حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم، ثم قلبها عليهم، فجعل عاليها سافلها، فأهلكهم جميعاً، ثم أتبعهم حجارة من سجيل أمطرها عليهم، فجمع عليهم من العقوبات ما لم يجمعه على أمة غيرهم؟
ولمن يعمل أمثالها {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:٨٣].
وما الذي أرسل على قوم شعيب سحائب العذاب كالظلل، فلمَّا صار فوق رءوسهم، أمطر عليهم ناراً تلظى؟
وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر، ثم نقلت أرواحهم إلى جهنَّم، فالأجساد للغرق والأرواح للحرق؟
وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله؟
وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمَّرها تدميراً؟
وما الذي بعث على بني إسرائيل قوماً أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار؟
قتَّلوا الرجال، وسبوا الذراري والنساء، وأحرقوا الديار، ونهبوا الأموال، ثم بعثهم عليهم مرة ثانية، فأهلكوا ما قدروا عليه، وتبروا ما علوا تتبيرا.
وما الذي سلط عليهم أنواع العقوبات مرة بالقتل والسبي، وخراب الديار، ومرة بجور الملوك، ومرة بمسخهم قردةً وخنازير؟
وأقسم الرب جلَّ جلاله {لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ} [الأعراف:١٦٧].
إنها الذنوب والمعاصي يا عباد الله! وكل ذلك ذكره الله لنا في كتابه المبين؛ حتى نحذر ذلك ونبتعد عنه {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:٣٧].
عباد الله: هذه عقوبات المعاصي، وما تجره على أهلها في العاجلة قبل الآخرة، من غرقٍ وحريق، وريح عقيم {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات:٤٢] وصيحة واحدة تجعل العصاة كالهشيم، وخسف مروع يجعل عالي الأرض سافلها، ومطرٌ بالحجارة من السماء، وسحابٌ يمطر ناراً تلظى {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه:١٢٧] وصدق الله حين يقول: {أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ * كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات:١٦ - ١٩].