[كونوا من الغرباء]
الحمد لله الكريم الجواد، اللطيف بالعباد، الذي من اعتز به رأس وساد، ومن تمسك بكتابه أيده وحماه من الأضداد، ومن عض بنواجذه على سنة نبيه نصره وإن قل الأعوان والأجناس، نحمده ونستعينه ونسأله التوفيق لاتباع الكتاب والسنة، ونسأله أن يقينا من البدع المدلهمة السوداء، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن ارتكاب المعاصي والفساد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله ربنا بالحق بشيراً ونذيراً، وما مات حتى ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، ليس فيها لبسٌ ولا اشتباه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين كانوا أتبع الناس لسنته في اليقظة والرقاد وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا عباد الله! اتقوا الله فإن تقواه نعم العدة ليوم المعاد، وتمسكوا بكتاب ربكم وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، فإن التمسك بهما أعظم الجهاد لا سيما عند كثرة الأهواء وظهور الفساد، فقد ورد في الحديث: {المتمسك بدينه في آخر الزمان له أجر خمسين من الصحابة} و {المتمسك بدينه كالقابض على الجمر} وذلك لقلة الأعوان وكثرة الأضداد، في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء}
أمة الإسلام: كونوا من الغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس، أو يصلحون ما أفسد الناس.
أيها المسلمون: أي غربة أشد من أن أكثر المسلمين الذين يدعون الإسلام لا يعرفون قراءة القرآن، وبالأخص لا يعرفون قراءة فاتحة الكتاب التي هي أم القرآن وهي السبع المثاني، ولا يعرفون ما يجب عليهم من أمور الدين كالقراءة في الصلاة وغيرها، أليس ذلك يا أمة الإسلام من البعد عن التعاليم التي رسمها الإسلام؟
أمة الإسلام: أليس ذلك كله من البعد عن التعاليم التي رسمها الإسلام وجاء بها القرآن؟ حتى الذين يتعلمون لا يهتمون بالقرآن كما يهتمون بالمواد الدراسية الأخرى -وللأسف الشديد- دستورنا القرآن الكريم وصراطنا المستقيم لا يعد من المواد الرسمية في بعض الدول العربية التي تدَّعي الإسلام، كما يهتمون بالمواد الأخرى التي أدخلها أعداء الإسلام للمسلمين حتى انحرف الأكثرون عن تعاليم الإسلام، وصاروا يحاربون التعاليم الإسلامية ولا يبالون بها، فماذا نقول؟ إنا لله وإنا إليه راجعون! ولا حول ولا قوة إلا بالله! وحسبنا الله ونعم الوكيل!
اعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، ومن شذَّ عن جماعة المسلمين شذَّ في النار، وصلوا على رسول الله كما أمركم الله في كتابه فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وفي مقدمتهم خلفاؤه الراشدون: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين, وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وأيقظنا من غفلتنا حتى نتبع نهجهم يا رب العالمين، اللهم أيقظنا من غفلتنا حتى نسلك سبيلهم يا أرحم الراحمين.
اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم انصرنا بالإسلام، اللهم انصر الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا وأئمة وولاة أمور المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم من آذى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم خذه أخذ عزيز مقتدر، اللهم أنزل به بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.
اللهم مزق أعداء الإسلام وأعداء المسلمين تمزيقاً، اللهم مزقهم تمزيقاً، اللهم أدر عليهم دائرة السواء، واجعلهم غنيمة للمسلمين يا رب العالمين.
اللهم وأصلح أولادنا ونساءنا، اللهم وأصلح أولادنا واجعلنا وإياهم هداة مهتدين، اللهم أرنا وإياهم الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا وإياهم الباطل باطلاً وارزقنا وإياهم اجتنابه، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن ومضلات الفتن، اللهم ارفع عنا مضلات الفتن، اللهم طهر بلادنا من مضلات الفتن التي دخلت علينا بالشر والفساد يا رب العالمين.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل:٩٠ - ٩١] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.