يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! لقد والله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده صلى الله عليه وسلم.
في آخر شهر صفر وأول ربيع الأول ابتدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم المرض وهو الصداع، كما روى ذلك الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت:{دخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي بُدِأَ فيه فقلت: وارأساه، فقال: وددت أن ذلك كان وأنا حي فهيأتكِ ودفنتكِ فقلت: غير كأني بك في ذلك اليوم عروساً ببعض نسائك، فقال صلى الله عليه وسلم: بل أنا وارأساه.
وخرج صلى الله عليه وسلم عاصباً رأسه بخرقة، فجلس على المنبر فقال صلى الله عليه وسلم: إن عبداً خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده، فاختار ما عنده، فبكى أبو بكر رضي الله عنه وقال: يا رسول الله! فديناك بآبائنا وأمهاتنا، قال راوي الحديث: فعجبنا، وقال الناس: انظروا إلى هذا الشيخ يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبدٍ خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء، وبين ما عنده وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير، وكان أبو بكر هو أعلمنا به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من أمن الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن أخوة الإسلام} ثم قال صلى الله عليه وسلم: {لا تبقى في المسجد خوخة إلا سدت، إلا خوخة أبي بكر} وفي رواية أخرى قال صلى الله عليه وسلم: {ما لأحد عندنا يدٌ إلا وقد كافأناه، ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يداً يكافئه الله يوم القيامة فيها، وما نفعني مال أحدٍ قط ما نفعني مال أبي بكر، ثم قال صلى الله عليه وسلم: لا يبقين خوخة في المسجد إلا سدت إلا خوخة أبي بكر} وفي هذا الإشارة إلى أن أبا بكر هو الإمام بعده صلى الله عليه وسلم، ثم أكد هذا المعنى بأمره صريحاً أن يصلي أبو بكر بالناس، فرجع في ذلك صلى الله عليه وسلم فقال:{مروا أبا بكر فليصل بالناس}.
وتتام به وجعه صلى الله عليه وسلم، وهو يدور على نسائه حتى اشتد به المرض، وهو في بيت ميمونة رضي الله عنها، فدعا نساءه فاستأذنهن وقال: إني لا أستطيع أن أدور بينكن، سأكون عند عائشة.
واشتد به الصداع صلى الله عليه وسلم مع الحمى، فكان يجلس في مخضب ويصب عليه الماء من سبع قرب لم تحل أوكيتهن يتبرد بذلك صلى الله عليه وسلم، وكان عليه قطيفة فكانت حرارة الحمى تصيب من وضع يده عليه من فوقها فقيل له في ذلك، فقال:{إنا كذلك -أي: معشر الأنبياء- يشدد علينا البلاء ويضاعف لنا الأجر} وقال صلى الله عليه وسلم: {إني أوعك كما يوعك رجلان منكم} ومن شدة مرضه كان يغمى عليه ويفيق صلى الله عليه وسلم، دخل عليه عبد الرحمن أخو عائشة رضي الله عنها ومعه سواك، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه، فعرفت عائشة رضي الله عنها أنه يريد السواك، فأخذته وطيبته وأعطته رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يستاك به.