للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما أعده الله للكفار في النار]

الحمد لله ذي العرش المجيد، والبطش الشديد، المبدئ المعيد، الفعال لما يريد، المنتقم ممن عصاه بالنار بعد الإنذار بها والوعيد، المكرم لمن خافه واتقاه بدار لهم فيها من كل خير مزيد، فسبحان من قسم خلقه قسمين، وجعلهم فريقين، فمنهم شقي ومنهم وسعيد، أحمده وهو أهل للحمد والثناء والتمجيد، وأشكره ونعمه بالشكر تدوم وتزيد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا كفؤ ولا عدلَ ولا ضدَّ ولا نديد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى التوحيد، والساعي بالنصح للقريب والبعيد، المحذر للعصارة من نار تلظى بدوام الوقيد، المبشر للمؤمنين بدار لا ينفذ نعيمها ولا يبيد.

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليماً كثيراً.

فيا عباد الله: اتقوا الله عزَّ وجلَّ وأطيعوه، احذروا أسباب سخطه واجتنبوا معاصيه، لقد سمعتم في الجمعة الماضية الجنة، وما أعد الله فيها لأوليائه المتقين.

اعلموا يا عباد الله: أن الله خلق الخلق ليعرفوه، وأوجدهم ليعبدوه ويخشوه ويخافوه، ونصب لهم الأدلة الدالة على عظمته وكبريائه ليهابوه، ويخافوه خوف الإجلال، ووصف لهم شدة عذابه، ودار عقابه التي أعدها لمن عصاه ليتقوه بصالح الأعمال، فقال قولاً كريماً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:٦].

عباد الله: لقد كرر الله سبحانه وتعالى في كتابه ذكر النار، وما أعده فيها لأعدائه من العذاب والنكال، وما احتوت عليه من الزقوم، والضريع والْحَميم والسلاسل والأغلال إلى غير ذلك مِمَّا فيها من العظائم والأهوال.

عباد الله: إن لجنهم سبعة أبواب، ذكرها الله عزَّ وجلَّ بقوله: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} [الحجر:٤٣ - ٤٤].

ثم يا عباد الله! تلك الأبواب مغلقة عليهم، قال الله تعالى: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} [الهمزة:٨] وقال جل وعلا: {عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ} [البلد:٢٠] أي: أن تلك الأبواب مطبقة عليهم، فلا يُفتح لهم باب، ولا يخرج منها غم ولا يدخل فيها رَوح إلى آخر الأبد.

وللنار شدة في حرها وزمهريرها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب! أكل بعضي بعضاً؛ فنفسني، فأذن لها في نفسين، نفسٌ في الشتاء، ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر من سمومها، وأشد من تجدون من البرد من زمهريرها}.

وفي الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ناركم هذه التي يوقدُ ابنُ آدم جزءٌ واحد من سبعين جزءاً من نار جهنم} قالوا: والله إن كانت لكافية، قال: {إنها فُضِّلت عليها بتسعة وستين جزءاً، كلهن مثل حرها}.

ثم أهل النار فيها يا عباد الله: يُذاقون أليم العذاب وشدته، يقول تعالى: {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} [الحج:١٩ - ٢١]-نسأل الله العفو والعافية والنجاة من النار- وفي الآية الأخرى يقول: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج:٢٢].

عباد الله: اتقوا النار؛ فإن حرها شديد، وقد فُضِّلت على نار الدنيا كلها بتسع وستين جزءاً، يصلاها المجرمون، قال الله تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا} [النساء:٥٦] لماذا؟ {لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً} [النساء:٥٦] ثم يرتفع بهم اللهب حتى يصلوا إلى أعلاها، وكلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها.

وكم قعر جنهم؟ قعره سبعون خريفاً {وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [السجدة:٢٠].