الحمد لله الذي أباح لنا جميع الطيبات، وحرَّم علينا الخبائث والمضرات، أباح لنا الطيبات تفضلاً منه ومنةً، لا إله إلا هو ولا رب لنا سواه، وحرَّم علينا المضرات عنايةً منه ووقاية، فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا راحم للعباد سواه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أخرج أمته من الظلمات إلى النور، بشرهم بالحق ودعاهم إلى توحيد رب العباد، ونهاهم عن الباطل والشرك وكل ما يؤول بهم إلى النار، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها المؤمنون بالله! اتقوا الله حق التقوى كما أمركم الله بذلك، وتمتعوا بما أحل الله لكم من الطيبات، واشكروه عليها بالقيام بطاعته، فإن الشكر سببٌ للمزيد، واسمعوا إلى الرءوف الرحيم وهو يحثكم على الأكل من الطيبات.
أيها المسلمون! إن الله سبحانه وتعالى أنزل القرآن الكريم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم نوراً وهدىً، فيه آيات بينات، وسبل واضحات، من اتخذه إماماً وقائداً سعد في دنياه، وفاز في أخراه:{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[النحل:٩٧] ومن ترك العمل بالقرآن، وما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ضلَّ في دنياه وشقي في أخراه {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً}[الإسراء:٧٢].
أيها المسلمون: إن هذا العمى المذكور في الآية -الكريمة سببه اجتراح السيئات وفعل المنكرات، فإن المعاصي توجد في القلب ظلمةً حقيقيةً يشعر بها العاصي إن كان له ضمير كما يشعر بظلمة الليل البهيم، وتزداد هذه الظلمة حتى تظهر في العينين، ثم تعلو وتكون سواداً في الوجه، وذلك الران الذي ذكره الله في كتابه:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[المطففين:١٤].
أيها المسلمون: إن المعصية سببٌ لهوان العبد على الله جلَّ وعلا، وسببٌ لسقوطه من عين الله، وإذا هان العبد على ربه، لم يجد من يكرمه؛ كما قال الله سبحانه وتعالى:{وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ}[الحج:١٨] ويقول جلَّ وعلا: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}[الإسراء:٧٠].
نعم! لقد كرم الله عز وجل بني آدم بكرامات كثيرة، وفي مقدمة هذه الكرامات العقل.