[حال أهل الجنة في الجنة]
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
يا عباد الله: اتقوا الله عزَّ وجل ولا تغتروا بما في هذه الحياة الدنيا من الزخارف البراقة والسراب اللامع، فإن كل هذه الحياة الدنيا وما فيها مآلها للزوال والخراب؛ ولكن استعدوا لدار لا يخرب بنيانها، ولا يهرم شبانها، ولا تبلى ثيابهم، ولا ينقطع نعيمها، واسمعوا إلى المولى جلَّ وعلا وهو يحثكم إليها في القرآن العظيم، ويقول: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:١٣٣ - ١٣٦].
ويقال لأهل الجنة: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر:٤٦ - ٤٨].
ويُقال لأهل الجنة: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الزخرف:٦٨] مَن هُم الذين يقال لهم هذا يا عباد الله؟ يقال للذين آمنوا بآيات الله وكانوا مسلمين، اسمعوا وصفهم: {الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ} [الزخرف:٦٩ - ٧٣].
ثم هم في مقام أمين من الحوادث وغيرها، في أمان من تغير الزمان وتقلبات الحياة، في جنات وعيون، ولهم فيها من اللباس: السندس، والإستبرق، متنعمين مع الزوجات من الحور العين، الراضيات المرضيات، الطاهرات من الحيض والنفاس، النظيفات من البصاق والمخاط، اسمعوا يا عباد الله! {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} [الدخان:٥١] يا ألله نسألك من فضلك، الله أكبر! يا عباد الله! أين النفوس التي تشتاق إلى هذا؟ نفوسنا في غفلة، قلوبنا ميتة {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ * لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الدخان:٥١ - ٥٧].
عباد الله: بادروا إلى الجنة وما أعد الله فيها لعباده الصالحين، يقول رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: {قال الله تعالى: أعددتُ لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، واقرءوا إن شئتم {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:١٧]}.
ولكن قبل هذه الآية، آيات تبين أعمالهم، يقول جلَّ وعلا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة:١٦] ماذا يعملون يا رب العالمين؟ يلعبون البَلُوْت والكِنْكَان؟ يغيرون من فيلم إلى فيلم، ومن تمثيلية إلى تمثيلية؟ فإذا جاء وعد الله الذي لا يخلف وعده, وجاء النزول الإلهي إذا هم كالجيف الميتة في فُرشهم، الآن بعضهم إلى الآن في فراشه بعد سهرة الليل، وتمر عليهم صلاة الفجر، والظهر، والعصر وهو نائم فإنا لله وإنا إليه راجعون.
{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} هؤلاء عباد الله، {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} ماذا يعملون؟ {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:١٦] الفرق شاسع وبعيد، فهؤلاء تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً، خائفين من الله، طامعين لما عند الله، ونحن نسهر ليلة الجمعة وليلة الخميس.
ليلة الخميس: الليلة التي تُعْرض فيها الأعمال على الله، وإذا بفلان وعلان يلعبون القمار والميسر، البَلُوْت والكِنْكَان، ويتشاتمون فيما بينهم، هذا يشتم والدَي هذا، وذاك يشتم والدَي الآخر، إنا لله وإنا إليه راجعون، تُعرَض الأعمال على الله، وهم يمارسون تلك اللعب.
وليلة الجمعة: التي تقوم فيها الساعة المستجابة، يمارسون فيها تلك الألعاب، فإذا جاءت أوقات الفضائل، فإذا هم كالجيف والعياذ بالله قال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:١٦ - ١٧] اللهم اجعلنا منهم، يا عباد الله! نسأل الله أن يجعلنا منهم.