[عاقبة الصبر على الابتلاء]
أيها المؤمنون حقاً! الذين لا يزلزل إيمانهم ملايين ولا عقارات ولا غيرها من أعراض الدنيا الفانية! اعلموا أن الله عز وجلَّ يبتلي عباده المؤمنين بالشر كما يبتليهم بالخير، يبتليهم بالمرض، وتسليط الأعداء، وليس ذلك إهانة أو تعذيباً ولكنه لتقوية الإيمان.
نعم يا أمة الإسلام! لتقوية الإيمان الحق، ولعظم مثوبة الصبر على البلاء، كما حصل لنبي الله أيوب عليه السلام.
أيها المؤمنون: امتثلوا بالمؤمنين واجعلوا المؤمنين لكم قدوة، هذا أيوب عليه السلام حصل له من الابتلاء بالمرض الذي بلغ به إلى أن تخلى عنه جميع الأقارب حتى وضعوه بعيداً عنهم.
وكما حصل لأبينا إبراهيم من تسلّط قومه عليه وإلقائهم إياه في النار، فهل لما ألقوه، قال: لنذهب إلى الأمم المتحدة، أو نذهب إلى أمريكا، أو الاتحاد السوفيتي لنستنجد بهم؟ لا.
ولكن قال: حسبي الله ونعم الوكيل، فقال الله: {كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:٦٩] لا تكوني حرباً عالمية طاحنة، كوني برداً وسلاماً على إبراهيم، وذلك لأن الله لا يضيع عباده المؤمنين، ولقد خلقهم في هذه الدنيا ليبتليهم، فمن صبر فله العاقبة الحسنى، ومن تضجر واستعان بغير الله فسيكله إليهم ويكله إلى ضعف وهوان.
وما حصل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الأذى والمضايقة، والتآمر ضده، والمؤامرة التي فضحها القرآن {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:٣٠] فماذا كان عاقبة الابتلاء؟!
أيها المسلمون: فأيوب كشف الله عنه ضره، وآتاه أهله ومثلهم معهم رحمة من الله وذكرى لأولي الألباب، من هم أولو الألباب: هم أهل العقول السليمة، الذين يعلمون أن الله يبتلي بالشر والخير فتنة.
يقول جلت قدرته للنار التي أنشئت لإحراق إبراهيم: {كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:٦٩] ثم جعله أمة يقتدى به، وجعل له لسان صدق في الآخرين، ومحمد الذي أفلت من مؤامرة المشركين الدنيئة، وخرج من مكة مختفياً مطارداً ويعود بعد ذلك ويطل عليها من أعلى طريق فيها فاتحاً، يطل على الدنيا وعلى الأمة جميعها، متوجهاً إلى رب واحد، وقبلة واحدة، وقيادة واحدة، ويصبح هو إمامها بما بلغها الله إلى يوم القيامة، بل هو فرطها على الحوض وشفيع لها عند الله فهو فاتح باب الجنة.
فاتقوا الله أيها المسلمون! اتقوه تقوى المؤمن الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: {عجباً للمؤمن إن أمره كله له خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له} اتقوا الله واثبتوا على إيمانكم الذي جاء من عند الله، واصبروا على ما قد تبتلون به، وما كلفتم به من الله، وأمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، ولا تأخذكم في الله لومة لائم، وأدوا حق الله فيما أعطاكم وفيما ولاكم، ولا يطغينكم عز ورخاء، أو صحة وثراء، ولا تطغينكم الأحداث والشدائد والمضايقات، فما هي إلا برهة قليلة ثم يأتي فرج الله ونصره ومثوبته، فما حصل للأنبياء وأتباعهم ممن ابتلوا وأوذوا في الله وستكون العقبى لأتباعهم كما كانت من قبل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:١ - ٢] إلا من يا ربنا {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:٣] اللهم اجعلنا منهم بمنك وكرمك وإحسانك وجودك يا رب العالمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.