للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقيل: المشكاة جوف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمصباح النور الذي في قلبه، والزَّجَّاجة قلبه، فهو من شجرة مباركة، وهو إبراهيم - عليه السلام - سماه شجرة مباركة لأن أكثر الأنبياء من صلبه.

وهذا الوجه مروي عن ابن عمر حيث قال: «المشكاة جوف محمد - صلى الله عليه وسلم - والزَّجَّاجة قلبه والمصباح النور الذي جعله الله تعالى في قلبه يوقد من شجرة مباركة أي أن أصله من إبراهيم وهو شجرته فأوقد الله تعالى في قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - النور كما جعله في قلب إبراهيم - عليه السلام -» (١).

ونبه ابن عطية إلى عود الضمير إلى غير مذكور في الكلام فقال: «قال القاضي أبو محمد وهذه أقوال فيها عود الضمير على من لم يجر له ذكر وفيها تقطع المعنى المراد بالآية» (٢). ووقف الشوكاني من هذين القولين وقفة المتأمل في تفسير مخالف لظاهر الآية وهو وارد عن السلف فقال:

«وأقول: إن تفسير النظم القرآني بهذا ونحوه مما تقدم عن أبى بن كعب وابن عباس وابن عمر - رضي الله عنهم - ليس على ما تقتضيه لغة العرب، ولا ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يجوز العدول عن المعنى العربي إلى هذه المعاني التي هي شبيهة بالألغاز والتعمية، ولكن هؤلاء الصحابة ومن وافقهم ممن جاء بعدهم استبعدوا تمثيل نور الله سبحانه بنور المصباح في المشكاة، ولهذا قال ابن عباس هو أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة كما قدمنا عنه، ولا وجه لهذا الاستبعاد فإنا قد قدمنا في أول البحث ما يرفع الإشكال، ويوضح ما هو المراد على أحسن وجه، وأبلغ أسلوب، وعلى ما تقتضيه لغة العرب، ويفيده كلام الفصحاء، فلا وجه للعدول عن الظاهر، لا من كتاب، ولا من سنة، ولا من لغة، وأما ما حكى عن كعب الأحبار في هذا كما قدمنا، فإن كان هو سبب عدول أولئك الصحابة الأجلاء عن الظاهر في تفسير الآية، فليس مثل كعب رحمه الله ممن يقتدى به في مثل هذا، وقد نبهناك فيما سبق أن تفسير الصحابي إذا كان مستنده الرواية عن أهل الكتاب كما يقع ذلك كثيرا، فلا تقوم به الحجة، ولا يسوغ لأجله العدول عن التفسير العربي؛ نعم إن صحت قراءة أبى بن كعب كانت هي المستند،


(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ١٢/ ٣١٧. والسيوطي في الدر المنثور ٦/ ١٨٢؛ وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ٧/ ٨٣: «رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه الوازع بن نافع وهو متروك».
(٢) المحرر الوجيز ٤/ ١٨٣.

<<  <   >  >>