لهذه التفاسير المخالفة للظاهر، وتكون كالزيادة المبينة للمراد، وإن لم تصح فالوقوف على ما تقتضيه قراءة الجمهور من السبعة وغيرهم ممن قبلهم وممن بعدهم هو المتعين» (١).
وأعمل ابن القيم الآية على ظاهرها، وأشار إلى الخلاف فيها، وذكر قولا بديعا تتسق معه الأقوال فقال:
«فصل: في تفسير قوله تعالى: {{مَثَلُ نُورِهِ}، وقوله تعالى:{مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ}[النور: ٣٥]، هذا مثل لنوره في قلب عبده المؤمن كما قال أبي بن كعب وغيره، وقد اختلف في مفسر الضمير في نوره؛ فقيل هو النبي أي: مثل نور محمد، وقيل مفسره المؤمن أي: مثل نور المؤمن، والصحيح: أنه يعود على الله سبحانه وتعالى؛ والمعنى مثل نور الله سبحانه وتعالى في قلب عبده؛ وأعظم عباده نصيبا من هذا النور رسوله؛ فهذا مع ما تضمنه عود الضمير المذكور، وهو وجه الكلام يتضمن التقادير الثلاثة، وهو أتم لفظا ومعنى، وهذا النور يضاف إلى الله تعالى إذ هو معطيه لعبده وواهبه إياه، ويضاف إلى العبد إذ هو محله وقابله، فيضاف إلى الفاعل والقابل، ولهذا النور فاعل، وقابل، ومحل وحال، ومادة، وقد تضمنت الآية ذكر هذه الأمور كلها على وجه التفصيل؛ فالفاعل: هو الله تعالى مفيض الأنوار الهادي لنوره من يشاء، والقابل: العبد المؤمن، والمحل: قلبه والحال: همته وعزيمته وإرادته، والمادة: قوله وعمله، وهذا التشبيه العجيب الذي تضمنته الآية فيه من الأسرار والمعاني، وإظهار تمام نعمته على عبده المؤمن بما أناله من نوره ما تقر به عيون أهله، وتبتهج به قلوبهم، وفي هذا التشبيه لأهل المعاني طريقتان: أحدهما طريقة التشبيه المركب: وهي أقرب مأخذا وأسلم من التكلف؛ وهي أن تشبه الجملة برمتها بنور المؤمن من غير تعرض لتفصيل كل جزء من أجزاء المشبه ومقابلته بجزء من المشبه به، وعلى هذا عامة أمثال القرآن؛ فتأمل صفة المشكاة وهي كوة تنفذ لتكون أجمع للضوء، قد وضع فيها المصباح، وذلك المصباح داخل زجاجة تشبه الكوكب الدري في صفائها وحسنها ومادته من أصفى الأدهان، وأتمها وقودا؛ من زيت شجرة في وسط القراح لا شرقية ولا غربية؛ بحيث تصيبها الشمس في أحد طرفي النهار، بل هي في وسط القراح محمية بأطرافه تصيبها الشمس أعدل إصابة، والآفات إلى الأطراف دونها، فمن شدة إضاءة زيتها وصفائها وحسنها؛