العراق. وقال أبو الحسن بن أذين «١» النحوىّ: حضرت مع أبى مجلس كافور وهو غاصّ بالناس، فقام رجل «٢» فدعا له، وقال في دعائه: أدام الله أيّام مولانا (بكسر الميم من أيّام) فأنكر كافور والحاضرون ذلك؛ فقام رجل «٣» من أوساط الناس فقال:
لا غرو إن لحن الداعى لسيّدنا ... أو غصّ من دهش «٤» بالريق أو بهر
ومثل سيّدنا حالت مهابته ... بين البليغ وبين القول بالحصر
فإن يكن خفض الأيام من غلط ... فى موضع النصب لا من قلّة البصر
فقد تفاءلت من هذا لسيّدنا ... والفأل مأثورة عن سيّد البشر
بأنّ أيامه خفض بلا نصب ... وأنّ أوقاته صفو بلا كدر
فعجب الحاضرون من ذلك، وأمر له كافور بجائزة.
وقال أبو جعفر مسلم بن عبيد الله بن طاهر العلوىّ النّسابة: ما رأيت أكرم من كافور! كنت أسايره يوما وهو في موكب «٥» خفيف يريد التنزّه وبين يديه عدّة جنائب بمراكب ذهب وفضة وخلفه بغال المراكب؛ فسقطت مقرعته من يده ولم يرها ركابيّته «٦» ، فنزلت عن دابّتى وأخذتها من الأرض ودفعتها إليه؛ فقال:
أيّها الشريف، أعوذ بالله من بلوغ الغاية، ما ظننت أن الزمان يبلّغنى حتى تفعل بى أنت هذا! وكاد يبكى؛ فقلت: أنا صنيعة الأستاذ ووليّه. فلما بلغ باب داره ودّعنى؛ فلما سرت التفتّ فإذا بالجنائب والبغال كلّها خلفى؛ فقلت: ما هذا؟