فكانوا يدسّون إليه الرّقاع المختومة بالدعاء عليه والسبّ له ولأسلافه، والوقوع فيه وفي حرمه، حتى انتهى فعلهم الى أن عملوا تمثال امرأة من قراطيس بخفّ وإزار، ونصبوها في بعض الطّرق وتركوا في يدها رقعة كأنها ظلامة؛ فتقدّم الحاكم وأخذها من يدها. فلمّا فتحها رأى في أوّلها ما استعظمه، فقال: انظروا هذه المرأة من هى؟ فقيل له: إنها معمولة من قراطيس؛ فعلم أنهم قد سخروا منه، وكان في الرقعة كلّ قبيح. فعاد من وقته إلى القاهرة، ونزل في قصره واستدعى القوّاد والعرفاء، وأمرهم بالمسير إلى مصر وضربها بالنار ونهبها، وقتل من ظفروا به من أهلها؛ فتوجّه إليها العبيد والروم والمغاربة وجميع «١» العساكر. وعلم أهل مصر بذلك فاجتمعوا وقاتلوا عن نفوسهم، وأوقعوا النار فى أطراف البلد؛ فاستمرّت الحرب بين العبيد والعامّة والرعيّة ثلاثة أيّام، والحاكم يركب في كلّ يوم إلى القرافة، ويطلع إلى الجبل ويشاهد النار ويسمع الصّياح ويسأل عن ذلك، فيقال له: العبيد يحرقون مصر وينهبونها، فيظهر التوجّع، ويقول: لعنهم الله! من أمرهم بهذا. فلمّا كان اليوم الرابع «٢» اجتمع الأشراف [والشيوخ «٣» ] إلى الجوامع ورفعوا المصاحف وضجّوا بالبكاء وابتهلوا إلى الله تعالى بالدعاء، فرحمهم الأتراك ورّقوا لهم وانحازوا اليهم وقاتلوا معهم، وكان أكثرهم مخالطا لهم ومداخلا ومصاهرا، وانفرد العبيد وصار القتال معهم؛ وعظمت القصّة وزادت الفتنة، واستظهرت كتامة والأتراك عليهم، وراسلوا الحاكم، وقالوا: نحن عبيد ومماليك، وهذا البلد بلدك وفيه حرمنا وأموالنا وأولادنا وعقارنا، وما علمنا أنّ أهله جنوا جناية تقتضى سوء المقابلة، وتدعو إلى مثل