للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلمّا كان يوم الموكب عاتبه الحاكم على تأخّره، فقال له سيف الدولة المذكور: قد خدمت أباك ولى عليكم حقوق كثيرة يجب لمثلها المراعاة، وقد قام في نفسى أنّك قاتلى، فأنا مجتهد في دفعك بغاية جهدى، وليس لك حاجة إلى حضورى في قصرك، فإن كان باطن رأيك في مثل ظاهره فدعنى على حالى، فإنّه لا ضرر عليك في تأخّرى عن حضور قصرك. وإن كنت تريد بى سوءا فلأن تقتلنى في دارى بين أهلى وولدى يكفّنوننى ويتولّوننى أحبّ إلىّ من أن تقتلنى في قصرك وتطرحنى تأكل الكلاب لحمى؛ فضحك الحاكم وأمسك عنه. وراسلت ستّ الملك أخت الحاكم ابن دوّاس هذا مع بعض خدمها وخوّاصها، وهى تقول له: لى إليك أمر لا بدّ لى فيه من الاجتماع بك؛ فإمّا تنكّرت وجئتنى ليلا، أو فعلت أنا ذلك. فقال: أنا عبدك والأمر لك. فتوجّهت إليه ليلا في داره متنكرة؛ ولم تصحب معها أحدا.

فلمّا دخلت عليه قام وقبّل الأرض بين يديها دفعات ووقف في الخدمة، فأمرته بالجلوس، وأخلى المكان. فقالت: يا سيف الدولة. قد جئت في أمر أحرس به نفسى ونفسك والمسلمين، ولك فيه الحظّ الأوفر، وأريد مساعدتك فيه؛ فقال:

أنا عبدك. فاستحلفته واستوثقت منه، وقالت له: أنت تعلم ما يقصده أخى فيك، وأنّه متى تمكّن منك لم يبق عليك، وكذا أنا، ونحن على خطر عظيم. وقد انضاف [إلى «١» ] ذلك [تظاهره «٢» ] بادّعائه الإلهية وهتكه ناموس الشريعة وناموس آبائه؛ وقد زاد جنونه. وأنا خائفة أن يثور المسلمون عليه فيقتلوه ويقتلونا معه، وتنقضى هذه الدولة أقبح انقضاء. فقال سيف الدولة: صدقت يا مولاتنا، فما الرأى؟

قالت: قتله ونستريح منه، فإذا تمّ لنا ذلك أقمنا ولده موضعه وبذلنا الأموال؛ وكنت أنت صاحب جيشه ومدبّره، وشيخ الدولة والقائم بأمره؛ وأنا امرأة من