ستّ الملك وراسلته وآنسته، وبعثت إليه بالخلع والخيل بمراكب الذهب وغيرها، ولم تزل تعمل عليه [الحيل «١» ] حتّى أفسدت غلاما له يقال له بدر، وكان مالك أمره، وغلمانه تحت يده، وبذلت له العطاء الجزيل، [على الفتك به، ووعدته أن تولّيه مكانه «٢» ] . وكان لفاتك غلام هندىّ يهواه، فاستغواه بدر المذكور وقال:
قد عرفت من مولاك ملالك، وتغيّر نيّته فيك، وعزم على قتلك، ودافعته عنك دفعات، وأنا أخاف عليك. ثم تركه بدر أياما، ووهب له دنانير وثيابا؛ ثم أظهر له المحبّة وقال: إن علم بنا الأمير قتلنا؛ فقال الهندىّ: فما أفعل؟ فاستحلفه بدر واستوثق منه، وقال: إن قبلت ما أقول أعطيتك مالا وأغنيتك وعشنا جميعا فى أطيب عيش. قال: فما تريد؟ قال: تقتله ونستريح منه؛ فأجابه وقال: الليلة يشرب وأنا أسقيه وأميل عليه، فإذا سكر فأقتله. وجلس فاتك المذكور على الشّرب، فلمّا قام إلى مرقده حمل الهندىّ سيفه، وكان ماضيا، ثمّ دخل في اللّحاف وبدر على باب المجلس واقف. فلمّا ثقل فاتك في نومه غمز بدر الهندىّ فضربه بالسيف فقطع رأسه؛ فصاح بدر واستدعى الغلمان وأمرهم بقتل الهندىّ فقتلوه. واستولى بدر على القلعة وما فيها؛ وكتب إلى أخت الحاكم بما جرى؛ فأظهرت الوجد على فاتك فى الظاهر، وشكرت بدرا في الباطن على ما كان منه من حفظ الخزائن، وبعثت إليه بالخلع، ووهبت له جميع ما خلّفه مولاه، وقلّدته موضعه. ونظرت ستّ الملك في أمور الدولة بعد قتل الحاكم أربع سنين، أعادت الملك فيها الى غضارته، وعمّرت الخزائن بالأموال، واصطنعت الرجال. ثم اعتلّت علّة لحقها فيها ذرب فماتت منه.
وكانت عارفة مدبّرة غزيرة العقل» . وقد خرجنا عن المقصود على سبيل الاستطراد.