وجمع الروم وسار اليها وأحاط بها وقاتل أهلها؛ فكبسه شبل الدولة نصر المذكور من داخلها ومعه أهل البلد فقتلوا معظم أصحابه؛ وانهزم ملكهم صاحب أنطاكية اليها في نفر يسير من أصحابه، وغنم نصر أموالهم وعساكرهم. وقيل: كبسه نصر المذكور على إعزاز «١» فغنم منه أموالا عظيمة. وسرّ الظاهر هذا بنصرة نصر لكون الإسلام يجمع بينهما. وكان المتغلّبون على البلاد في أيّام الظاهر كثيرين جدا، وذلك لصغر سنّه وضعف بدنه. ووقع له في أيّامه خطوب قاساها إلى أن توفّى بالقاهرة «٢» فى يوم الأحد النصف من شعبان سنة سبع وعشرين وأربعمائة، وعمره إحدى وثلاثون سنة. وكانت ولايته على مصر ستّ عشرة سنة وتسعة أشهر.
وتولّى الملك بعده ابنه أبو تميم معدّ، ولقب بالمستنصر وسنه ثمانى سنين؛ وقام علىّ بن أحمد الجرجرائىّ الوزير بالأمر، وأخذ له البيعة، وقرّر للجند أرزاقهم، واستقامت الأحوال. وكانت وفاة الظاهر بعلّة الاستسقاء، طالت به نيّفا وعشرين سنة من عمره.
قلت: ولهذا أشرنا أنه كان كثرة من تغلب عليه لضعف بدنه وصغر سنه.
وكان الظاهر جوادا ممدّحا سمحا حليما محببا للرعيّة، ولا بأس به بالنسبة لآبائه وأجداده. وهو الذي بنى قصر اللؤلؤة عند باب القنطرة، وهو من القصور المعدودة بالقاهرة، وصار يتنزّه به هو ومن جاء بعده من خلفاء مصر من ذرّيته وأقاربه، وكان التوصل الى القصر من باب مراد «٣» ، وصار الخلفاء يقيمون به في أيّام النيل.