بنفسه إلى الإسكندريّة، ونهبت دوره وأمواله ودور أصحابه. ومضى ابن حمدان إلى حىّ من العرب وتزوّج منهم وقوى بهم، فصار يشنّ الغارات على أعمال مصر؛ ويبعث إليه المستنصر فى كلّ وقت جيشا فيهزمه ابن حمدان. ولا زال على ذلك حتّى جمع ابن حمدان جمعا كبيرا ونزل الصالحيّة «١» ؛ فخرج إليه من كان يهواه من المشارقة، وامتدّت عسكره نحو عشرة فراسخ وحاصر مصر؛ فضعف المستنصر عن مقاومته وانحصر بالقاهرة. وطال الحصار وغلت الأسعار حتّى بلغت الرّاوية الماء ثلاثة عشر قيراطا، وكلّ ثلاثة عشر رطلا من الخبز دينارا، وعدمت الأقوات، فضجّ العوامّ، فخاف المستنصر أن يسلّموه إليه، فراسله وصالحه. واقترح عليه ابن حمدان إبعاد الدكز ومن يعاديه من المشارقة، وأن ينفرد ابن حمدان بالبلاد «٢» وتدبير الأمور والعساكر، فرضى المستنصر بذلك كلّه؛ ورفع الحصار عن مصر، وعادت الأمور إلى ما كانت عليه.
فهرب غالب من كان مع المستنصر إلى الشام، ووفدوا على صاحبها بدر الجمالىّ. وكان بدر الجمالىّ يكره ابن حمدان والشريف المذكور. ثمّ ظفر الجمالىّ بالشريف المذكور وقتله خنقا. على ما سيأتى ذكره إن شاء الله تعالى. وصار المستنصر فى قصره كالمحجور عليه ولا حكم له.
هذا والغلاء بمصر يتزايد، حتّى إنّه جلا من مصر خلق كثير لما حصل بها من الغلاء الزائد عن الحدّ، والجوع الذي لم يعهد مثله فى الدنيا، فإنّه مات أكثر أهل مصر، وأكل بعضهم بعضا. وظهروا على بعض الطبّاخين أنّه ذبح عدّة من الصّبيان والنساء وأكل لحومهم وباعها بعد أن طبخها. وأكلت الدوابّ بأسرها، فلم يبق