قيل: إنه لما حضر عمرو بن العاص الوفاة بكى؛ فقال له ابنه: أتبكي جزعاً من الموت؟ فقال: لا والله؛ وجعل ابنه يذكّره بصحبته رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتوحه الشام؛ قال عمرو: تركت أفضل من ذلك: شهادة أن لا إله إلا الله، إني كنت على ثلاثة أطباق ليس منها طبقة إلا عرفت نفسي فيها: كنت أول شيء كافراً وكنت أشدّ الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلومتّ حينئذ لوجبت لي النار؛ فلما بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت أشد الناس منه حياءً ما ملأت عيني منه، فلو مت حينئذ لقال الناس: هنيئاً لعمرو أسلم على خير ومات على خير أحواله، ثم تلبست بعد ذلك بأشياء فلا أدري أعلي أم لي، فإذا أنا مت فلا يبكى علي ولا تتبعوني ناراً، وشدوا علي إزاري فإني مخاصم، فإذا أوليتموني فاقعدوا عندي قدر نحر جزور وتقطيعها أستأنس بكم حتى أعلم ما أراجع به رسل ربي. قال الذهبي: أخرجه أبو عوانة في مسنده. وفي رواية: أنه بعدها حول وجهه إلى الجدار وهو يقول: اللهم أمرتنا فعصينا، ونهيتنا فما انتهينا، ولا يسعنا إلا عفوك. وفي رواية: أنه وضع يده على موضع الغل من عنقه ورفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم لا قوي فأنتصر، ولا بريء فأعتذر، ولا مستكبر بل مستغفر، لا إله إلا أنت؛ فلم يزل يرددها حتى مات رضي الله عنه.
وقال الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو أن أباه قال:
اللهم أمرت بأمور ونهيت عن أمور، فتركنا كثيراً مما أمرت ووقعنا في كثير مما نهيت، اللهم لا إله إلا أنت؛ ثم أخذ بإبهامه فلم يزل يهلل حتى توفي.
قال الذهبي، وأيده الطحاوي، حدثنا المزني سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول:
دخل ابن عباس على عمرو بن العاص وهو مريض فقال: كيف أصبحت؟ قال: