للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأجابه الخليفة الآمر إلى ذلك. ولمّا حضر الجامع وجلس فى القبّة وفتح الرّوشن وقام الخطيب فخطب، فهو فى الصلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فى الخطبة الثانية وإذا بالهوى قد فتح الطاق فرفع الخطيب رأسه فوقع وجهه فى وجه الخليفة فعرفه فأرتج عليه وارتاع ولم يدر ما يقول، حتّى فتح عليه فقال: معاشر المسلمين، نفعكم الله وإيّاى بما سمعتم، وعن الضلال عصمكم. قال الله تعالى فى كتابه العزيز:

وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً

. إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ ...

. إلى آخر الآية، وصلّى بالناس. فلما انفصل المجلس تكلم الآمر مع وزيره المذكور بما وقع للخطيب. فانفتح الكلام للوزير وتكلّم فيما كان بصدده، فرجع الآمر عن الخطّابة واستناب وزيره المذكور؛ فصار الوزير يخطب بجامع القاهرة وجامع ابن طولون وجامع مصر.

وقال ابن أبى المنصور فى تاريخه: إنّ ابتداء خطبة الوزير المأمون كانت فى شهر رمضان سنة خمس وثمانين؛ وترك الآمر الخطابة مع ما كان له فى ذلك من الرغبة الزائدة، حتّى إنّه كان اقترح أشياء أخرى فى خروجه إلى الجامع زيادة على ما كانت آباؤه تفعله، غير أنّه كان يخطب فى الأعياد بعد ما استناب وزيره المأمون ابن البطائحىّ فى خطبة الجمع. فكان الآمر إذا خرج فى خطبة العيد خرج إلى المصلّى، ويخرجون قبله، على العادة السابقة المذكورة فى ترجمة المعزّ، بالفرش والآلات، وعلّق بالمحاريب الشروب المذهبة، وفرش فيه ثلاث سجّادات متراكبة، وبأغلاها السجادة اللطيفة التى كانت عندهم معظّمة، وهى قطعة من حصير، ذكر أنّها كانت من حصير لجعفر الصادق- رضى الله عنه- وكانت مما أخذه الحاكم بأمر الله عند فتح دار جعفر الصادق. ثم تغلق الأبواب الثلاثة التى بجنب القبّة التى فى صدرها المحراب.

قلت: والذي ذكرناه فى ترجمة المعزّ لدين الله كانت صلاته بالجامع الأزهر،