سنّة القوم، ثم يطلع الوزير ثمّ يسلّم الدعو «١» القاضى، فيستدعى من جرت عادته بطلوع المنبر، وكلّ لا يتعدّى مكانه. ثم ينزل الخليفة بعد الخطبة ويعود فى أحسن زىّ على هيئة خروجه من رحبة باب العيد حتّى يأكل الناس السّماط. وقد ذكرنا كيفيّة السّماط وزىّ لبس الخليفة والمظلّة وصفة ركوبه وطلوعه إلى المنبر ونزوله، فى ترجمة المعزّ لدين الله أوّل خلفائهم، فينظر هناك من هذا الكتاب.
قلت: وكان الآمر يتناهى فى العظمة ويتقاعد عن الجهاد. وما قاله الذهبىّ فى ترجمته فبحقّ؛ فإنّه مع تلك المساوى التى ذكرت عنه كان فيه تهاون فى أمر الغزو والجهاد حتّى استولت الفرنج على غالب السواحل وحصونها فى أيّامه، وإن كان وقع لأبيه المستعلى أيضا ذلك وأخذ القدس فى أيامه فإنّه اهتمّ لقتال الفرنج وأرسل [الأفضل «٢» بن] بدر الجمالىّ أمير الجيوش بالعساكر، فوصلوا بعد فوات المصلحة بيوم. فكان له فى الجملة مندوحة، بخلاف الآمر هذا، فإنّه لم ينهض لقتال الفرنج البتّة، وإن كان أرسل مع الأسطول عسكرا فهو كلا شىء. وسنبيّن ذلك عند استيلاء الفرنج على طرابلس وغيرها على سبيل الاختصار فى هذا المحلّ، فنقول:
أوّل ما وقع فى أيّامه من طمع الفرنج فى البلاد فإنّهم خرجوا فى أوّل سنة سبع وتسعين وأربعمائة من الرّهاء، وانقسموا قسمين، قسم قصد حرّان، وقسم قصد الرّقّة. فالذى توجّه إلى الرّقّة خرج لهم سكمان بن أرتق صاحب ماردين، وكان سالم بن بدر العقيلىّ فى بنى عقيل، وقد نزلوا على رأس «٣» العين، فخرج بهم سكمان