عظم أمر صلاح الدين واستولى على خزائن مصر واستبدّ بأمورها من غير منازع.
غير أنّه كان من تحت أوامر الملك العادل نور الدين محمود بن زنكى المعروف بالشهيد صاحب دمشق على ما سنّبينه فى هذا المحلّ. وكان يدعو له الخطيب بمصر وأعمالها بعد نور الدين المذكور ويدعو لنور الدين بعد الخليفة.
وكان مولد صلاح الدين بتكريت فى سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة، ونشأ فى حجر أبيه نجم الدين أيّوب فى الدولة النّوريّة، وترقّى فيها؛ وكان ولّاه نور الدين قبل خروجه مع عمّه أسد الدين شيركوه الثالثة إلى ديار مصر، شحنجية «١» دمشق، فخرج عنها غضبا على ما سنذكره إن شاء الله.
قال العلّامة أبو المظفّر شمس الدين يوسف بن قزأوغلى فى تاريخه مرآة الزمان:
«كان السلطان صلاح الدين شجاعا شهما مجاهدا فى سبيل الله، وكان مغرما بالإنفاق فى سبيل الله، وحسب ما أطلقه ووهبه مدّة مقامه على عكّا مرابطا للفرنج، من شهر رجب سنة خمس وثمانين، إلى يوم انفصاله عنها فى شعبان سنة ثمان وثمانين، فكان اثنى عشر ألف رأس من الخيل العراب «٢» والأكاديش الجياد للحاضرين معه للجهاد، غير ما أطلقه من الأموال. قال العماد الكاتب: لم يكن له فرس يركب إلّا وهو موهوب، ولا جاءه «٣» قود إلّا وهو مطلوب؛ وما كان يلبس إلّا ما يحلّ لبسه، كالكتّان والقطن والصوف؛ وكانت مجالسه منزّهة عن الهزء والهزل؛ ومحافله حافلة بأهل العلم والفضل؛ ويؤثر سماع الحديث وكان من جالسه لا يعلم