فقال له نجم الدين: يا بنىّ، ما اختارك الله لهذا الأمر إلّا وأنت أهل له، وأبى نجم الدين عن قبول السلطنة، غير أنّه حكّمه ابنه صلاح الدين فى الخزائن، فكان يطلق منها ما يختار من غير مراجعة صلاح الدين. وكانت الفرنج تولّت على دمياط فى ثالث صفر من السنة المذكورة وجدّوا فى قتالها، وأقاموا عليها نحو الشهرين يحاصرونها بالمجانيق ويزحفون عليها ليلا ونهارا، وصلاح الدين يوجّه إليها العساكر مع خاله شهاب الدين وتقىّ الدين، وطلب من العاضد مالا فبعث إليه شيئا كثيرا، حتّى قال صلاح الدين: ما رأيت أكرم من العاضد! جهّز إلىّ فى حصار الفرنج لدمياط ألف ألف دينار سوى الثياب وغيرها.
ولمّا سمع نور الدين بما وقع لدمياط أخذ فى غزو الفرنج بالغارات عليهم.
ثم وقع فيهم الوباء والفناء فرحلوا عن دمياط بعد أن مات منهم خلق كثير. كلّ ذلك فى حياة العاضد فى أوائل أمر صلاح الدين، ثمّ أخذ السلطان صلاح الدين فى إصلاح أحوال مصر وعمارة البلاد وبينا هو فى ذلك ورد عليه كتاب الملك العادل نور الدين محمود بن زنكى من دمشق، فأمره فيه بقطع خطبة العاضد وإقامتها لبنى العبّاس خلفاء بغداد، فخاف صلاح الدين من أهل مصر ألّا يجيبوه إلى ذلك، وربّما وقعت فتنة؛ فعاد الجواب لنور الدين يخبره بذلك، فلم يسمع له نور الدين؛ وأرسل إليه وخشّن له فى القول، وألزمه بذلك إلزاما كلّيّا إلى أن وقع ذلك؛ وقطعت خطبة العاضد فى أوّل المحرّم سنة سبع وستين وخمسمائة. وكان العاضد مريضا فأخفى عنه أهله ذلك حتّى مات يوم عاشوراء، فندم صلاح الدين على قطع خطبته، وقال:
ليتنى صبرت حتّى مات. وقد ذكرنا ذلك كلّه مفصّلا فى ترجمة العاضد السابقة لهذه الترجمة. ومن هنا نذكر- إن شاء الله تعالى- أقوال المؤرّخين فى أحوال السلطان صلاح الدين هذا وغزواته وأموره، كلّ مؤرّخ على حدته. ومن يوم مات العاضد