للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن شدّاد: لقد حكى لى من أثق به أنّه رأى بحوران «١» شخصا واحدا ومعه نيّف وثلاثون أسيرا ربطهم بطنب خيمة، لما وقع عليهم من الخذلان؛ ثم إنّ الملك القومص الذي هرب فى أوّل الوقعة وصل إلى طرابلس، وأصابه ذات الجنب فهلك. وأمّا مقدّم الأسبتار «٢» والدّيويّة «٣» فإنّه قتلهما السلطان صلاح الدين، وقتل من بقى من أصحابهما حيّا، وأمّا البرنس أرناط فإنّ السلطان كان نذر أنّه إن ظفر به قتله، وذلك أنّه كان عبر إليه بالشّوبك قوم من الديار المصريّة فى حال الصلح فغدر بهم وقتلهم، فناشدوه الصلح الذي بينه وبين السلطان، فقال: ما يتضمّن الاستخفاف بالنبىّ صلّى الله عليه وسلّم؛ وبلغ ذلك السلطان، فحملته حميّة دينه على أن أهدر دمه.

ولمّا فتح الله عليه بالنصر جلس بالدّهليز (يعنى الخيمة) فإنّها لم تكن نصبت بعد لشغل السلطان بالجهاد، وعرضت عليه الأسارى، وصار الناس يتقرّبون إليه بما فى أيديهم منهم، وهو فرح بما فتح الله عليه؛ واستحضر «٤» الملك جفرى وأخاه، والبرنس أرناط، وناول السلطان الملك جفرى شربة من جلّاب وثلج فشرب منها، وكان على أشدّ حال من العطش ثم ناولها للبرنس، ثم قال السلطان للتّرجمان:

قل للملك أنت الذي سقيته وإلّا أنا فما سقيته، فإنّه كان من جميل عادة العرب