وفيها قبض صلاح الدين على جماعة من أعيان الدولة العبيديّة: مثل داعى الدّعاة «١» ، وعمارة اليمنىّ وغيرهما، بلغه أنّهم يجتمعون على إثارة الفتن، واتّفقوا مع السّودان وكاتبوا الفرنج، فقتل داعى الدعاة، وصلب عمارة اليمنىّ. قال القاضى شمس الدين ابن خلّكان: هو أبو محمد عمارة بن أبى الحسن على بن زيدان «٢» ابن أحمد بن محمد الحكمىّ اليمنىّ، الملقّب نجم الدين الشاعر؛ وهو من جبال «٣» اليمن من مدينة مرطان «٤» ، بينها وبين مكّة من جهة الجنوب أحد عشر يوما. وكان فقيها فصيحا، أقام بزبيد مدّة يقرأ عليه مذهب الشافعىّ، وله فى الفرائض مصنّف مشهور باليمن، ومدح خلفاء مصر، فقرّبوه وأعطوه الأموال، فكان عندهم بمنزلة الوزير، وكان أيضا معظّما قبل ذلك فى اليمن؛ ثم ظهرت أمور اقتضت خروجه منها، فقدم إلى مصر فى سنة خمسين وخمسمائة. وقيل: إنّ سبب قتله أنّه مدح توران شاه، وحرّضه على أخذ اليمن بقصيدة أوّلها:
العلم مذ كان محتاج إلى العلم ... وشفرة السيف تستغنى عن القلم
إلى أن قال:
هذا ابن تومرت قد كانت بدايته ... كما يقول الورى لحما على وضم
وكان أوّل هذا الدّين من رجل ... سعى إلى أن دعوه سيّد الأمم
قال العماد الكاتب: اتّفقت لعمارة اتّفاقات: منها أنّه نسب إليه قول هذا البيت فكان أحد أسباب قتله؛ وأفتى قضاة مصر بقتله، وقيل: إنّه لمّا أمر صلاح الدين