إلى ميّافارقين، فدفن بها. وكانت وفاته يوم الجمعة عاشر شهر رمضان، ثم بنيت له مدرسة بظاهر حماة، فنقل إليها. وكان السلطان صلاح الدين يكره ابنه محمدا فأخذ منه بلاد أبيه، وأبقى معه حماة لا غير. ولقّب محمد هذا بالملك المنصور. وهو أبو ملوك حماة من بنى أيّوب الآتى ذكرهم. وكان تقىّ الدين شجاعا مقداما شاعرا فاضلا، عاشر العلماء والأدباء وتخلّق بأخلاقهم، وله ديوان شعر. ومن شعره:
يا ناظريه ترفّقا ... ما فى الورى لكما مبارز
هبكم حجبتم أن أرا ... هـ فهل لقلب الصّب حاجز
وفيها توفّى يحيى «١» السّهروردىّ المقتول بحلب، كان يعانى علوم الأوائل والمنطق والسيمياء وأبواب النّيرنجيّات «٢» ، فاستمال بذلك خلقا كثيرا وتبعوه، وله تصانيف فى هذه العلوم. واجتمع بالملك الظاهر ابن السلطان صلاح الدين صاحب حلب، فأعجب الظاهر كلامه ومال إليه. فكتب أهل حلب إلى السلطان صلاح الدين:
أدرك ولدك وإلّا تتلف عقيدته؛ فكتب إليه أبوه صلاح الدين بإبعاده فلم يبعده، فكتب بمناظرته، فناظره العلماء فظهر عليهم بعبارته، فقالوا: إنّك قلت فى بعض تصانيفك: إنّ الله قادر على أن يخلق نبيّا، وهذا مستحيل. فقال: ما وجه استحالته؟
فإنّ الله القادر هو الذي لا يمتنع عليه شىء. فتعصّبوا عليه، فحبسه الظاهر وجرت بسببه خطوب وشناعات. وكان السّهروردىّ ردىء الهيئة، زرىّ الخلقة، دنس الثياب، وسخ البدن، لا يغسل له ثوبا ولا جسما، ولا يقصّ ظفرا ولا شعرا، فكان القمل يتناثر على وجهه، وكان من رآه يهرب منه لسوء منظره، وقبح زيّه.