فيها بعد خروج الحاجّ من مكّة هبّت ريح سوداء عمّت الدنيا، ووقع على الناس رمل أحمر، ووقع من الركن اليمانىّ قطعة، وتحرّك البيت الحرام مرارا. وهذا شىء لم يعهد منذ بناه عبد الله بن الزّبير- رضى الله عنهما-.
وفيها أيضا كانت الوقعة الثانية بين السلطان يعقوب وبين ألفنش ملك الفرنج بعد أن حشد ألفنش جمعا كبيرا والتقوا، فكان بينهم قتلة عظيمة؛ ونصر الله المسلمين. وهزمه يعقوب وتبعه وحصره على الزّلّاقة وبطليطلة ونصب عليها المجانيق وضيّق عليها، ولم يبق إلّا أخذها. فخرجت «١» إليه والدة ألفنش وبناته ونساؤه وبكين بين يديه، وسألته إبقاء البلد عليهنّ، فرقّ لهنّ «٢» ومنّ عليهنّ بها؛ ولو فتح طليطلة لفتح إلى مدينة النّحاس «٣» . ثم عاد يعقوب إلى قرطبة فأقام بها شهرا يقسم الغنائم، وجاءته رسل ألفنش أيضا تسأل الصلح، فصالحه على مدّة معيّنة.
وفيها توفّى محمد بن علىّ بن أحمد «٤» ، الوزير أبو الفضل مؤيّد الدّين بن القصّاب.
أصله من شيراز، وقدم بغداد واستخدم فى الديوان، ثم ترقّى إلى أن ولى الوزارة؛ وقرأ الأدب والنحو. وكان داهية ردىء الاعتقاد إلّا أنّه كان له خبرة بالأمور والحروب وفتح البلاد، وكان الخليفة الناصر لدين الله يثنى عليه ويقول: لو قبلوا من رأيه ما جرى ما جرى، ولقد أتعب الوزراء من بعده.
وفيها توفّى محمد «٥» بن علىّ بن شعيب، الشيخ أبو شجاع الفرضىّ الحاسب البغدادىّ المعروف بابن الدّهان. كان فاضلا عالما وصنّف تاريخا من عشر وخمسمائة إلى سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة.