ثمّ من الغد أفيضت عليه الخلع؛ وهى: جبّة سوداء بطراز ذهب، وعمامة سوداء بطراز ذهب، وطوق ذهب فيه جوهر، وقلّد سيفا محلّى جميع قرابه بالذهب، وحصان أشهب بمركب ذهب، وعلم أسود مكتوب فيه بالبياض ألقاب الناصر لدين الله. ثمّ خلع السّهروردىّ على ولدى العادل: المعظّم عيسى والأشرف موسى، لكلّ واحد عمامة سوداء، وثوبا أسود واسع الكمّ؛ وخلع على الصاحب ابن شكر كذلك. ونثر الذهب على رأس العادل من رسل صاحب حلب وحماة وحمص وغيرهم.
وركب الأربعة (أعنى العادل وولديه وابن شكر الوزير) بالخلع، ثمّ عادوا إلى القلعة؛ وقرأ ابن شكر التقليد على كرسىّ، وخوطب العادل: بشاهنشاه «١» ملك الملوك خليل أمير المؤمنين. ثمّ قدم السّهروردىّ إلى مصر وخلع على الملك الكامل بن العادل.
وهو يوم ذاك صاحب مصر نيابة عن أبيه العادل كما تقدّم ذكره.
وقال الموفّق «٢» عبد اللّطيف فى سيرة الملك العادل: «كان أصغر الإخوة وأطولهم عمرا وأعمقهم فكرا وأبصرهم فى العواقب وأشدّهم إمساكا وأحبّهم للدرهم؛ وكان فيه حلم «٣» وأناة وصبر على الشدائد، وكان سعيد الجدّ عالى الكعب مظفّرا بالأعداء من قبل السماء، وكان نهمّا أكولا يحبّ الطعام واختلاف ألوانه، وكان أكثر أكله باللّيل كالخيل، وله عند ما ينام رضيع، ويأكل رطلا بالدّمشقىّ خبيص السّكّر، يجعل هذا كالجوارش «٤» ؛ وكان كثير الصلاة ويصوم الخميس؛ وله صدقات فى كثير من الأوقات، وخاصّة عندما تنزل به الآفات، وكان كريما على الطعام يحب من يؤاكله، وكان قليل الأمراض. قال لى طبيبه بمصر: إنّى آكل خير هذا السلطان