قلت: ويحقّ له ذلك، فإنّ المعظّم كان فى غاية ما يكون من الكمال فى عدّة علوم وفنون، وهو رجل بنى أيّوب وعالمهم بلا مدافعة، ومحاسنه أشهر من أن تذكر.
وكانت وفاته- رحمه الله- فى ثالث ساعة من نهار الجمعة أوّل يوم من ذى الحجّة، ودفن بقلعة دمشق، ثم نقل بعد ذلك من قلعة دمشق ودفن مع والدته «١» فى القبّة عند «٢» الباب. وخلّف عدّة أولاد: الملك الناصر داود، والملك المغيث عبد العزيز، والملك القاهر عبد الملك؛ ومن البنات تسعا، وقيل إحدى عشرة. وتولّى ابنه الناصر داود دمشق بعده إلى أن أخذها منه عمّه الملك الكامل صاحب الترجمة.
وفيها توفّى الملك چنكز خان التركىّ، طاغية التّتار وملكهم الأوّل الذي خرّب البلاد وأباد العباد، وليس للتتار ذكر قبله.
قلت: هو صاحب «التورا»«واليسق» ، وقد أوضحنا أمره فى غير هذا الكتاب، وذكرنا أصله واعتقاد التتار فيه وأشياء كثيرة. والتورا باللغة التركية هو المذهب، واليسق هو الترتيب، وأصل كلمة اليسق سى يسا، وهو لفظ مركّب من أعجمىّ وتركىّ، ومعناه: التراتيب الثلاث، لأنّ سى بالعجمى فى العدد ثلاثة، ويسا بالتركى: الترتيب؛ وعلى هذا مشت التتار من يومه إلى يومنا هذا، وانتشر ذلك فى سائر الممالك حتّى ممالك مصر والشام، وصاروا يقولون:«سى يسا» فثقلت عليهم فقالوا: «سياسة «٣» » على تحاريف أولاد العرب فى اللغات الأعجمية. ولمّا أن تسلطن الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البند قدارىّ أحبّ أن يسلك فى ملكه بالديار المصريّة طريقة چنكزخان هذا وأموره، ففعل ما أمكنه، ورتّب فى سلطنته