وصحب أيضا الشيخ عبد القادر «١» الجيلى، وسمع الحديث من عمّه المذكور وغيره، وروى عنه البرزالى «٢» وجماعة كثيرة؛ وكان له فى الطريقة قدم ثابتة ولسان ناطق، وولى عدّة ربط للصّوفيّة، ونفّذه الخليفة إلى عدّة جهات رسولا؛ وكان فقيها عالما واعظا مفتنّا مصنّفا، وهو صاحب التصانيف المشهورة، واشتهر اسمه وقصد من الأقطار، وظهرت بركات أنفاسه على خلق من العصاة فتابوا، ووصل به خلق إلى الله تعالى، وكفّ بصره قبل موته.
قال أبو المظفّر سبط بن الجوزىّ: رأيته فى سنة تسعين وخمسمائة يعظ برباط درب المقير «٣» على منبر طين، وعلى رأسه مئزر صوف؛ قال: وصنّف كتابا للصوفيّة وسمّاه «عوارف المعارف» . قال: وجلس يوما ببغداد وذكر أحوال القوم وأنشد- رحمه الله تعالى وعفا عنه-:
ما فى الصّحاب أخو وجد نطارحه ... حديث نجد ولا صبّ نجاريه
وجعل يردّد البيت ويطرب، فصاح به شابّ من أطراف المجلس، وعليه قباء وكلوتة «٤» ؛ وقال: يا شيخ، لم تسطح وتنتقص القوم! والله إنّ فيهم من لا يرضى أن يجاريك، ولا يصل فهمك إلى ما يقول، هلّا أنشدت:
ما فى الصّحاب وقد سارت حمولهم ... إلّا محبّ له فى الرّكب محبوب
كأنّه يوسف فى كلّ راحلة ... والحىّ فى كلّ بيت منه يعقوب!