دمشق ومعه أسد الدين صاحب حمص، ثم عزموا على قصد الناصر والصالح؛ فأوّل من برز لهم الملك العادل صاحب الترجمة بعساكر مصر، وخرج وسار حتى وصل إلى بلبيس؛ وكان قد أساء السّيرة فى أمرائه وحواشيه، فوقع الخلف بينهم وتزايد الأمر حتى قبضوا عليه، وأرسلوا إلى الصالح نجم الدين أيّوب يعرّفونه ويسألونه الإسراع فى المجىء إلى الديار المصريّة. فسار ومعه الملك الناصر داود صاحب الكرك وجماعة من أمرائه ابن موسك وغيره، فكان وصول الصالح إلى بلبيس فى يوم الأحد رابع عشرين ذى القعدة، فنزل فى خيمة العادل، والعادل معتقل فى خركاه. قال أبو المظفّر: حكى لى الصالح واقعات جرت له فى مسيره إلى مصر [منها «١»
] أنّه قال: ما قصدت بمجيء الناصر معى إلّا خوفا أن تكون معمولة علىّ، ومنذ فارقنا غزّة تغيّر علىّ، ولا شكّ أنّ بعض أعدائى أطمعه فى الملك، فذكر لى جماعة من مماليكى أنّه تحدّث معهم فى قتلى. قال: ومنها أنّه لما أخرجنى (يعنى الناصر) ندم وعزم على حبسى، فرميت روحى على ابن قليج، فقال «٢»
:
ما كان قصده إلّا أن يتوجّه إلى دمشق أوّلا فإذا أخذنا دمشق عدنا إلى مصر.
قال: ومنها أنّه ليلة وصل إلى بلبيس شرب وشطح إلى العادل، فخرج له من الخركاه فقبّل الأرض بين يديه، فقال له: كيف رأيت ما أشرت عليك ولم تقبل منى! فقال: يا خوند، التوبة، فقال: طيّب قلبك، الساعة أطلقك، وجاء فدخل علينا الخيمة ووقف، فقلت: باسم الله اجلس، فقال: ما أجلس حتى تطلق العادل، فقلت: اقعد، وهو يكرّر الحديث؛ ثم سكت ونام فما صدّقت بنومه وقمت فى باقى اللّيل، فأخذت العادل فى محفة ورحلت به إلى القاهرة. ولمّا دخلنا القاهرة