للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نائبا، وقدم عليه أولاد الناصر داود، فبالغ الملك الصالح فى إكرامهم وأقطعهم أخبازا جليلة. ولم يزل يتزايد به المرض إلى أن مات، وأخفى موته على ما سيأتى ذكره. إن شاء الله تعالى.

قال ابن واصل فى سيرة الملك الصالح نجم الدين أيّوب هذا: وكان مهيبا عزيز النفس عفيفا طاهر اللّسان والذّيل، لا يرى الهزل ولا العبث، شديد الوقار كثير الصّمت، اشترى من المماليك الترك ما لم يشتره أحد من أهل بيته حتّى صاروا معظم عسكره، ورجّحهم على الأكراد [وأمّرهم «١» ] ، واشترى وهو بمصر خلقا منهم، وجعلهم بطانته والمحيطين بدهليزه، وسمّاهم «البحرية» . حكى لى حسام الدين ابن أبى علىّ: أن هؤلاء المماليك مع فرط جبروتهم وسطوتهم كانوا أبلغ من يعظّم هيبته، كان إذا خرج وشاهدوا صورته يرعدون خوفا منه، وأنّه لم يقع منه فى حال غضبه كلمة قبيحة قطّ، أكثر ما يقول إذا شتم: يا متخلّف، وكان كثير الباه بجواريه فقط، ولم يكن عنده فى آخر وقت غير زوجتين: إحداهما شجرة الدّر، والأخرى بنت العالمة، تزوّجها بعد مملوكه الجوكندار «٢» ؛ وكان إذا سمع الغناء لا يتزعزع ولا يتحرّك، وكذلك الحاضرون يلتزمون حالته كأنّما على رءوسهم الطير؛ وكان لا يستقلّ أحدا من أرباب دولته بأمر بل يراجعون القصص مع الخدّام، فيوقّع عليها بما يعتمده كتّاب الإنشاء؛ وكان يحبّ أهل الفضل والدّين، وما كان له ميل لمطالعة الكتب؛ وكان كثير العزلة والانفراد، وله نهمة باللّعب بالصّوالجة، وفى إنشاء الأبنية العظيمة الفاخرة. انتهى كلام ابن واصل.