ثم عقيب ذلك نفوهم من مصر. ثم إنّ الأمير فخر الدين نفذ نسخة الأيمان إلى البلاد [ليحلفوا للمعظّم «١» ] ثم كلّ ذلك والسلطان لم يظهر موته. قال: وكانت أمّ ولده شجرة الدرّ ذات رأى وشهامة، فدبّرت أمر الملك الصالح وأخفت موته. وهى التى وليت الملك مدّة شهرين بعد ذلك، وخطب لها على المنابر بمصر وغيرها- على ما يأتى ذكر ذلك فى محلّه إن شاء الله تعالى. ثم ملك بعدها الأتراك إلى يومنا هذا. انتهى.
وقال الشيخ شمس الدين يوسف بن قزأوغلى فى تاريخه مرآة الزمان- بعد ما ذكر اسم الملك الصالح ومولده قال-: «ولما ملك مصر اجتهد فى خلاص ولده المغيث فلم يقدر. قلت (يعنى المغيث الذي كان حبسه الملك الصالح إسماعيل بقلعة دمشق فى مبادئ أمر الملك الصالح) . قال: وكان مهيبا، هيبته عظيمة، جبّارا أباد الأشرفيّة وغيرهم. وقال جماعة من أمرائه: والله ما نقعد على بابه إلّا ونقول من هاهنا نحمل إلى الحبوس، وكان إذا حبس إنسانا نسيه، ولا يتجاسر أحد أن يخاطبه فيه، وكان يحلف أنّه ما قتل نفسا بغير حقّ. قال صاحب المرآة: وهذه مكابرة ظاهرة؛ فإنّ خواص أصحابه حكوا أنّه لا يمكن إحصاء من قتل من الأشرفية وغيرهم، ولو لم يكن إلّا قتل أخيه العادل [لكفى «٢» ] . قال:
وكانت عتيقته شجرة الدرّ تكتب خطّا يشبه خطّه، فكانت تعلّم على التواقيع، وكان قد نسر مخرج السلطان وامتدّ إلى فخذه اليمنى ورجله ونحل جسمه وعملت له محفّة يركب فيها، وكان يتجلّد، ولا يطّلع أحد على حاله؛ ولمّا مات حمل تابوته إلى الجزيرة فعلّق بسلاسل حتّى قبر فى تربته إلى جانب مدرسته بالقاهرة» .