للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يحبّ من يعظّمه ويعطيه من يده فاكتب له غير هذا الكتاب ما يعجبه» ، وسيّر الكتاب إلى البهاء زهير ليغيّره، والبهاء زهير مشغول، فأعطاه لفخر الدين إبراهيم بن لقمان وأمره بختمه، فختمه وجهّزه إلى الناصر على يد نجّاب، ولم يتأمّله فسافر به النجّاب لوقته؛ واستبطأ الملك الصالح عود الكتاب إليه ليعلّم عليه؛ ثم سأل عنه بهاء الدين زهير بعد ذلك، وقال له: ما وقفت على ما كتبته بخطّى بين الأسطر؟

قال البهاء زهير: ومن يجسر أن يقف على ما كتبه السلطان بخطه إلى ابن عمّه! وأخبره أنّه سيّر الكتاب مع النجّاب، فقامت قيامة السلطان، وسيّروا فى طلب النجّاب فلم يدركوه؛ ووصل الكتاب إلى الملك الناصر بالكرك فعظم عليه وتألّم له، ثم كتب جوابه إلى الملك الصالح، وهو يعتب فيه العتب المؤلم، ويقول له فيه: والله ما بى ما يصدر منك فى حقّى، وإنما بى اطلاع كتّابك على مثل هذا! فعزّ ذلك على الملك الصالح، وغضب على بهاء الدين زهير، وبهاء الدين لكثرة مروءته نسب ذلك إلى نفسه ولم ينسبه لكاتب الكتاب، وهو فخر الدين بن لقمان- رحمه الله تعالى-.

قال: وكان الملك الصالح كثير التخيّل والغضب والمؤاخذة على الذنب الصغير والمعاقبة على الوهم، لا يقيل عثرة ولا يقبل معذرة ولا يرعى سالف خدمة، والسيئة عنده لا تغفر، والتوسّل إليه لا يقبل، والشفائع لديه لا تؤثّر، فلا يزداد بهذه الأمور التى تسلّ سخائم الصدور إلا انتقاما. وكان ملكا جبّارا متكبّرا شديد السطوة كثير التجبّر والتعاظم على أصحابه وندمائه وخواصه، ثقيل الوطأة؛ لا جرم أن الله تعالى قصّر مدّة ملكه وابتلاه بأمراض عدم فيها صبره. وقتل مماليكه ولده توران شاه من بعده؛ لكنه كان عنده سياسة حسنة ومهابة عظيمة وسعة صدر فى إعطاء العساكر والإنفاق فى مهمّات الدولة، لا يتوقّف فيما يخرجه فى هذا الوجه؛ وكانت همّته عالية جدا، وآماله بعيدة، ونفسه تحدّثه بالاستيلاء على الدنيا بأسرها والتغلّب