غمّ فى بساط، وقيل جعله هو وولده فى عدلين وأمر برفسهما حتّى ماتا. ثم قتل الأمير مجاهد الدين الدّوادار، والخادم إقبال «١» الشّرابى صاحب الرّباط بحرم مكّة، والأستادار محيى «٢» الدين ابن الجوزىّ وولداه «٣» وسائر الأمراء الأكابر والحجّاب والأعيان، وانقضت الخلافة من بغداد وزالت أيامهم من تلك البلاد، وخربت بغداد الخراب العظيم، وأحرقت كتب العلم التى كانت بها من سائر العلوم والفنون التى ما كانت فى الدنيا؛ قيل: إنّهم بنوا بها جسرا من الطين والماء عوضا عن الآجرّ، وقيل غير ذلك. وكانت كسرة الخليفة يوم عاشوراء من سنة ستّ وخمسين وستّمائة المذكورة، ونزل هولاكو بظاهر بغداد فى عاشر المحرّم، وبقى السيف يعمل فيها أربعة وثلاثين يوما وآخر جمعة خطب الخطيب ببغداد، كانت الخطبة: الحمد لله الذي هدم بالموت مشيّد الأعمار، وحكم بالفناء على أهل هذه الدار، إلى أن قال:
اللهمّ أجرنا فى مصيبتنا التى لم يصب الإسلام وأهله بمثلها، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون! ثم عمل الشعراء والعلماء قصائد فى مراثى بغداد وأهلها، وعمل الشيخ تقي الدين إسماعيل [بن إبراهيم «٤» ] بن أبى اليسر [شاكر بن عبد الله «٥» التّنوخىّ] قصيدته المشهورة، وهى:
لسائل الدّمع عن بغداد أخبار ... فما وقوفك والأحباب قد ساروا
يا زائرين إلى الزّوراء لا تفدوا ... فما بذاك الحمى والدار ديّار
تاج الخلافة والرّبع الذي شرفت ... به المعالم قد عفّاه إقفار