فتبعهم عسكر حلب ساعة من النهار؛ ثم كرّ التّتار عليهم فولّوا منهزمين إلى جهة البلد والتّتار فى أثرهم. فلما حاذوا جبل بانقوسا وعليه بقيّة عسكر المسلمين والعوامّ اندفعوا كلّهم نحو البلد والتّتار فى أعقابهم، فقتلوا من المسلمين جمعا كثيرا من الجند والعوامّ.
وممّن استشهد فى ذلك اليوم الأمير علم الدين زريق العزيزىّ- رحمه الله- وكان من أعيان الأمراء. ونازل التّتار المدينة فى ذلك اليوم إلى آخره، ثم رحلوا طالبين أعزاز فتسلّموها بالأمان.
ثم عادوا إلى حلب فى ثانى صفر من سنة ثمان وخمسين وستمائة وحاصروها حتّى استولوا عليها فى تاسع صفر بالأمان، فلمّا ملكوها غدروا بأهل حلب وقتلوا ونهبوا وسبوا وفعلوا تلك الأفعال القبيحة على عادة فعلهم. وبلغ الملك الناصر يوسف أخذ حلب فى منتصف صفر، فخرج الناصر من الشام بأمرائه نحو القبلة. وكان رسل التّتار بقرية حرستا «١» فأدخلوا دمشق ليلة الاثنين سابع عشر صفر. وقرئ بعد صلاة الظهر فرمان (أعنى مرسوما) جاء من عند ملك التّتار يتضمّن الأمان لأهل دمشق وما حولها، وشرع الأكابر فى تدبير أمرهم. ثم وصلت التّتار إلى دمشق فى سابع عشر شهر ربيع الأوّل، فلقيهم أعيان البلد أحسن ملتقى وقرئ ما معهم من الفرمان المتضمّن الأمان، ووصلت عساكرهم من جهة الغوطة مارّين من وراء الضّياع إلى جهة الكسوة «٢» وأهلكوا فى ممرّهم جماعة كانوا قد تجمّعوا وتحزّبوا «٣» .
وفى السادس والعشرين منه جاء منشور من هولاكو للقاضى كمال الدين عمر بن بندار «٤»