التّتار إلى جهة دمشق وعظم الخطب، واجتمع الناس من كلّ فجّ عند الملك الناصر بدمشق، واحترز الملك المعظّم توران شاه ابن الملك الناصر بحلب غاية الاحتراز. وكذلك جميع نوّاب البلاد الحلبيّة؛ وصارت حلب فى غاية الحصانة بأسوارها المحكمة البناء وكثرة الآلات. فلمّا كان العشر الأخير من ذى الحجّة [سنة «١» سبع وخمسين وستمائة] قصد التّتار حلب ونزلوا على قرية يقال لها سلمية «٢» وامتدوا إلى حيلان «٣» والحارى «٤» ، وسيّروا جماعة من عسكرهم أشرفوا على المدينة. فخرج عسكر حلب ومعهم خلق عظيم من العوام والسّوقة، وأشرفوا على التّتار وهم نازلون على هذه الأماكن، وقد ركبوا جميعهم لانتظار المسلمين، فلمّا تحقّق المسلمون كثرتهم كرّوا راجعين إلى المدينة؛ فرسم الملك المعظّم بعد ذلك ألّا يخرج أحد من المدينة.
ولمّا كان غد هذا اليوم رحلت التّتار من منازلهم طالبين مدينة حلب، واجتمع عسكر المسلمين بالنّواشير وميدان «٥» الحصا وأخذوا فى المشورة فيما يعتمدونه، فأشار عليهم الملك المعظّم أنّهم لا يخرجون أصلا لكثرة التّتار ولقوّتهم وضعف المسلمين على لقائهم، فلم يوافقه جماعة من العسكر وأبوا إلّا الخروج إلى ظاهر البلد لئلّا يطمع العدوّ فيهم؛ فخرج العسكر إلى ظاهر حلب وخرج معهم العوامّ والسّوقة واجتمعوا الجميع بجبل بانقوسا «٦» ؛ ووصل جمع التّتار إلى أسفل الجبل فنزل إليهم جماعة من العسكر ليقاتلوهم؛ فلما رآهم التّتار اندفعوا بين أيديهم مكرا منهم وخديعة،