وبعث جماعة من الأجناد والعربان لكشف أخبارهم، وسار إلى منبج فعادوا وأخبروا أنّ طائفة من التّتار مقدار ثلاثة آلاف فارس على شطّ الفرات ممّا يلى الجزيرة، فرحل «١» عن منبج يوم الأحد ثامن عشر جمادى الأولى ووصل شطّ الفرات، وتقدّم إلى العسكر بخوضها، فخاض الأمير سيف الدين قلاوون الألفىّ والأمير بدر الدين بيسرى فى أوّل الناس، ثم تبعهما هو بنفسه وتبعته العساكر، فوقعوا على التّتار فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأسروا تقدير مائتى نفس ولم ينج منهم إلّا القليل، وتبعهم بيسزى إلى قريب «٢» سروج ثم عاد. وكان على «٣» البيرة جماعة كثيرة من عسكر التّتار، وكانوا قد أشرفوا على أخذها، فلمّا بلغهم الخبر رحلوا عن البيرة؛ ودخلها السلطان فى ثانى عشرين الشهر وخلع على نائبها وفرّق فى أهلها مائة ألف درهم، وأنعم عليهم ببعض ما تركه التّتار عندهم لمّا هربوا. ثم رحل الملك الظاهر عنها بعساكره وعاد إلى دمشق. وفى هذه النّصرة قال العلّامة شهاب «٤» الدين أبو الثناء محمود كاتب الإنشاء- رحمه الله- قصيدة طنانة؛ أوّلها:
سر حيث شئت لك المهيمن جار ... واحكم فطوع مرادك الأقدار
لم يبق للدين الذي أظهرته ... يا ركنه عند الأعادى ثار
لمّا تراقصت الرءوس وحرّكت ... من مطربات قسّيك الأوتار
خضت الفرات بسابح أقصى منى ... هوج الصّبا من نعله «٥» آثار
حملتك أمواج الفرات ومن رأى ... بحرا سواك تقلّه الأنهار
وتقطّعت فرقا ولم يك طودها ... إذ ذاك إلا جشك الجرّار