سنقر الأشقر بمن معه يتّفق معهم على قتال الملك المنصور قلاوون. فأرسل أمراء العساكر المصريّة إلى سنقر الأشقر يقولون له: هذا العدوّ قد دهمنا وما سببه إلا الخلف بيننا! وما ينبغى هلاك الإسلام، والمصلحة أنّنا نجتمع على دفعه؛ فامتثل سنقر ذلك وأنزل عسكره من صهيون وأمر رفيقه الحاج أزدمر أن يفعل كذلك من شيزر، وخيّمت كلّ طائفة تحت قلعتها، ولم يجتمعوا بالمصريين، غير أنهم اتّفقوا على اجتماع الكلمة ودفع العدوّ المخذول عن الشام؛ واستمرّوا على ذلك إلى يوم الجمعة حادى عشرين جمادى الآخرة. وصل طائفة كبيرة من عساكر التّتار إلى حلب ودخلوها من غير مانع يمنعهم عنها، وأحرقوا الجوامع والمساجد والمدارس المعتبرة ودار السلطنة ودور الأمراء، وأفسدوا إفسادا كبيرا على عادة أفعالهم القبيحة، وأقاموا بها يومين على هذه الصورة؛ ثم رحلوا عنها فى يوم الأحد ثالث عشرينه راجعين إلى بلادهم بعد أن تقدّمتهم الغنائم التى كسبوها وكان شيئا كثيرا. وكان سبب رجوعهم لمّا بلغهم اتّفاق الطائفتين على قتالهم؛ وقيل فى رجوعهم وجه آخر، وهو أن بعض من كان استتر بحلب يئس عن نفسه «١» من الحياة؛ فطلع منارة الجامع وكبّر بأعلى صوته على التّتار، وقال: جاء النّصر من عند الله وأشار بمنديل كان معه إلى ظاهر البلد، وأوهم أنّه أشار به إلى عسكر المسلمين، وجعل يقول فى خلال ذلك: اقبضوهم من البيوت مثل النّساء! فتوهّم التّتار من ذلك وخرجوا من البلد على وجوههم وسلم الذي فعل ذلك.
وأمّا سنقر الأشقر فإنّ جماعة من الأمراء والأعيان الذين كانوا معه فرّوا إلى العسكر المصرىّ ودخلوا تحت طاعة الملك المنصور قلاوون.