وأمّا الملك المنصور قلاوون فإنّه لما طال عليه أمر سنقر الأشقر وأمر التّتار جمع أعيان مملكته فى هذا الشهر بقلعة الجبل، وجعل ولده الأمير علاء «١» الدين عليّا ولىّ عهده، ولقبه «الملك الصالح» ، وخطب له على المنابر. ثم تجهّز السلطان وخرج من الديار المصريّة بعساكره، وسار حتى وصل إلى غزّة بلغه رجوع العدو المخذول، فأقام بالرّملة وتوقّف عن التوجّه إلى دمشق لعدم الحاجة إلى ذلك، وقصد تخفيف الوطأة عن البلاد وأهلها. ثم رحل يوم الخميس عاشر شعبان راجعا من الرّملة إلى الديار المصريّة، فدخلها وأقام بها أقلّ من أربعة أشهر. ثم بدا له التوجّه إلى الشام ثانيا، فتجهّز وتجهّزت عساكره وخرج بهم من مصر فى يوم الأحد مستهلّ ذى الحجّة قاصدا الشام، وترك ولده الملك الصالح عليّا يباشر الأمور عنه بالديار المصريّة.
وسار الملك المنصور قلاوون حتى وصل إلى الرّوحاء من عمل الساحل، ونزل عليها فى يوم الثلاثاء سابع عشر ذى الحجّة، وأقام قبالة عكّا، فراسلته الفرنج من عكّا فى تجديد الهدنة، فإنّها كانت انقضت مدّتها، وأقام بهذه المنزلة حتى استهلّت سنة ثمانين وستّمائة رحل عنها يوم الخميس عاشر المحرّم. ونزل اللّجّون «٢» ، وحضر رسل الفرنج بها بحضرة الأمراء، وسمعوا رسالة الفرنج، فآستشارهم السلطان فحصل الاتّفاق على الهدنة، وحلف لهم الملك المنصور على الصورة التى وقع الاتّفاق عليها، وانبرم الصلح وانعقدت الهدنة فى يوم الأحد ثالث عشر المحرّم. ثم قبض الملك المنصور على الأمير كوندك «٣» الظاهرىّ وعلى جماعة من الأمراء الظاهريّة لمصلحة اقتضاها الحال، وعند قبضهم هرب الأمير سيف الدين بلبان الهارونىّ ومعه