فى أوائل دولة الناصر محمد بن قلاوون أكثر من شهر حسب ما تقدّم ذكره، وحدّثته نفسه بما فوق الوزارة، فكان فى ذلك حتفه وقتله حسب ما ذكرناه فى أوّل ترجمة الملك الناصر هذا، وفرح أهل مصر بقتله فرحا زائدا حتّى إنّه لمّا طافت المشاعليّة برأسه على بيوت الكتّاب القبط بلغت اللّطمة على وجهه بالمداس نصفا، والبولة عليه درهما، وحصّلوا المشاعليّة جملا من ذلك.
قلت: وهذا غلط فاحش من المشاعليّة، قاتلهم الله! لو كان من الظلم ما كان هو خير من الأقباط النصارى. ولمّا كان على نيابة دمشق وسّع ميدانها أيّام الملك الأشرف، فقال الأديب علاء الدين الوداعىّ «١» فى ذلك:
علم الأمير بأنّ سلطان الورى ... يأتى دمشق ويطلق الأموالا
فلأجل ذا قد زاد فى ميدانها ... لتكون أوسع للجواد مجالا
قال الصلاح الصّفدىّ: أخبرنى من لفظه شهاب الدين «٢» بن فضل الله قال أخبرنى والدى عن قاضى القضاة نجم الدين ابن الشيخ شمس الدين شيخ الجبل قال: كنت ليلة نائما فاستيقظت وكأن من أنبهنى وأنا أحفظ كأنّما قد أنشدت ذلك:
عند الشجاعىّ أنواع منوّعة ... من العذاب فلا ترحمه بالله
لم تغن عنه ذنوب قد تحمّلها ... من العباد ولا مال ولا جاه
قال: ثم جاءنا الخبر بقتله بعد أيام قلائل فكانت قتلته فى تلك الليلة التى أنشدت فيها الشعر. انتهى.
قلت: وهذا من الغرائب. وقد ذكرنا من أحوال سنجر هذا فى تاريخنا المنهل الصافى نبذة كبيرة كونه كتاب تراجم وليس للإطناب لهؤلاء هنا محلّ. انتهى.