ببلاد الأرمن حسن منكوتمر إلى السلطان أن يرسل كرجى المذكور إليها نائبا ليقيم فيها، فوافقه السلطان على ذلك، وكلّم كرجى فاستعفى كرجى من ذلك فأعفاه السلطان بعد أمور فكمن كرجى فى نفسه. ثم أخذ مع هذا منكوتمر يغلظ على المماليك السلطانية وعلى الأمراء الكبار فى الكلام، فعظم ذلك عليهم وتشاكوا فيما بينهم من منكوتمر، وقالوا: هذا متى طالت مدّته أخذنا واحدا بعد واحد، وأستاذه مرتبط به، ولا يمكن الوثوب عليه أيّام أستاذه، فلم يجدوا بدّا من قتل أستاذه الملك المنصور لاچين قبله، ثم يقتلونه بعده، واتفقوا على ذلك.
قال الشيخ مجد الدين الحرمىّ وكيل بيت المال: كان الملك المنصور لاچين متزوّجا ببنت الملك الظاهر بيبرس، وكانت ديّنة عفيفة، فحكت أنها رأت فى المنام، ليلة الخميس قبل قتل السلطان بليلة واحدة، كأنّ السلطان جالس فى المكان الذي قتل فيه، وكأنّ عدّة غربان سود على أعلى المكان، وقد نزل منهم غراب فضرب عمامة السلطان فرماها عن رأسه، وهو يقول: كرج كرج؛ فلمّا ذكرت ذلك للسلطان، قالت له: أقم الليلة عندنا؛ فقال السلطان: ما ثمّ إلّا ما قدّره الله! وخرج من عندها إلى القصر بعد أن ركب فى أوّل النهار على العادة، وكان صائما وهو يوم الخميس عاشر شهر ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين وستمائة، فأفطر بالقصر.
ثم دخل إلى القصر الجوّانى بعد العشاء الآخرة وأخذ فى لعب الشّطرنج وعنده خواصّه وهم: قاضى القضاة «١» حسام الدين الحنفى، والأمير عبد الله، وبريد البدوى، وإمامه محب الدين «٢» بن العسال؛ فأوّل من دخل عليه كرجى، وكان نوعيه السّلاح دار من