للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان المنصور لاچين فهما كريم الأخلاق متواضعا. يحكى أن القاضى شهاب الدين محمود كان يكتب بين يديه فوقع من الحبر على ثيابه، فأعلمه السلطان بذلك؛ فنظم فى الحال بيتين وهما:

ثياب مملوكك يا سيّدى ... قد بيّضت حالى بتسويدها

ما وقع الحبر عليها بلى ... وقّع لى منك بتجديدها

فأمر له المنصور بتفصيلتين وخمسمائة درهم. فقال الشهاب محمود: يا خوند، مماليك الجماعة رفاقى يبقى ذلك فى قلوبهم، فأمر لكلّ منهم بمثل ذلك، وصارت راتبا لهم فى كلّ سنة.

وقال الشيخ صلاح الدين خليل بن أيبك الصّفدىّ فى تاريخه: حكى لى الشيخ فتح «١» الدين بن سيّد الناس: لمّا دخل عليه لم يدعه يبوس الأرض، وقال: أهل العلم منزّهون عن هذا وأجلسه عنده، وأظنّه قال: على المقعد، ورتّبه موقّعا فباشر ذلك أيّاما، واستعفى فأعفاه وجعل المعلوم له راتبا فتناوله إلى أن مات. ولمّا تسلطن مدحه القاضى شهاب الدين محمود بقصيدة أوّلها:

أطاعك الدهر فأمر فهو ممتثل ... واحكم فأنت الذي تزهى بك الدّول

ولمّا تسلطن الملك المنصور لاچين تفاءل الناس واستبشروا بسلطنته، وجاء فى تلك السنة غيث عظيم بعد ما كان تأخّر؛ فقال فى ذلك الشيخ علاء الدين الوداعىّ:

يأيّها العالم بشراكم ... بدولة المنصور ربّ الفخار

فالله قد بارك فيها [لكم «٢» ] ... فأمطر الليل وأضحى النهار

وكانت مدّة سلطنة المنصور لاچين على الديار المصرية سنتين وثلاثة شهور.