فتوجّها إليه ودخل آقوش «١» نائب الكرك إلى أمّ السلطان وبشّرها، فخافت أن تكون مكيدة من لاچين فتوقّفت فى المسير، فما زال بها حتى أجابت.
ووصل الأميران إلى الملك الناصر بالغور وقبّلا الأرض بين يديه وأعلماه بالخبر، فرحّب بهما وعاد إلى البلد وتهيّأ، وأخذ فى تجهيز أمره، والبريد يترادف باستحثاثه إلى أن قدم القاهرة، فخرج الأمراء وجميع الناس قاطبة للقائه، وكادت القاهرة ومصر ألّا يتأخر بهما أحد فرحا بقدومه. وكان خروجهم فى يوم السبت، وأظهر الناس لعوده إلى الملك من السرور ما لا يوصف ولا يحدّ، وزيّنت القاهرة ومصر بأفخر زينة، وأبطل الناس معايشهم وضجّوا له بالدعاء والشكر لله على عوده إلى الملك، وأسمعوا حواشى الملك العادل كتبغا والملك المنصور لاچين من المكروه والاستهزاء ما لا مزيد عليه، واستمروا فى الفرح والسرور إلى يوم الاثنين، وهو يوم جلوسه على تخت الملك. وجلس على تخت الملك فى هذه المرّة الثانية وعمره يومئذ نحو أربع عشرة سنة. ثم جدّد للملك الناصر العهد، وخلع على الأمير سيف الدين سلار بنيابة السلطنة، وعلى الأمير حسام الدين لاچين بالأستادارية على عادته، واستمرّ الأمير آقوش الأفرم الصغير بنيابة دمشق على عادته، وخلع عليه وسفر بعد أيام.
وفى معنى سلطنة الملك الناصر محمد يقول الشيخ علاء «٢» الدين الوداعىّ الدّمشقىّ.
الملك الناصر قد أقبلت ... دولته مشرقة الشمس
عاد إلى كرسيّه مثلما ... عاد سليمان إلى الكرسى
وفى تاسع جمادى الأولى فرّقت الخلع على جميع من له عادة بالخلع من أعيان الدولة. وفى ثانى عشرة لبس الناس الخلع وركب السلطان الملك الناصر بالخلعة