الخامسة من نهار الأربعاء المذكور وتصادما، وقد كلّت خيول السلطان وعساكره من السّوق، والتحم القتال بين الفريقين، وحملت ميسرة المسلمين عليهم فكسرتهم أقبح كسرة، وقتلوا منهم جماعة كثيرة نحو خمسة آلاف أو أكثر؛ ولم يقتل من المسلمين إلّا اليسير.
ثم حملت القلب أيضا حملة هائلة وصدمت العدوّ أعظم صدمة، وثبت كل من الفريقين ثباتا عظيما، ثم حصل تخاذل فى عسكر الإسلام بعضهم فى بعض.
بلاء من الله تعالى. فانهزمت ميمنة السلطان بعد أن كان لاح لهم النصر! فلا قوّة إلا بالله. ولمّا انهزمت الميمنة انهزم أيضا من كان وراء السناجق السلطانيّة من غير قتال، وألقى الله تعالى الهزيمة عليهم فانهزم جميع عساكر الإسلام بعد النصر، وساق السلطان فى طائفة يسيرة من أمرائه ومدبّرى مملكته إلى نحو بعلبكّ «١» وتركوا جميع الأثقال، ملقاة «٢» ، فبقيت العدد والسلاح والغنائم والأثقال ملات تلك الأراضى حتى بقيت الرماح فى الطرق كأنها القصب لا ينظر اليها أحد، ورمى الجند خوذهم عن رءوسهم وجواشنهم وسلاحهم تخفيفا عن الخيل لتنجيهم بأنفسهم، وقصدوا الجميع دمشق. وكان أكثر من وصل إلى دمشق من المنهزمين من طريق بعلبك.
ولمّا بلغ أهل دمشق وغيرها كسرة السلطان عظم الضجيج والبكاء، وخرجت المخدّرات حاسرات لا يعرفن أين يذهبن والأطفال بأيديهنّ، وصار كلّ واحد فى شغل عن صاحبه إلى أن ورد عليهم الخبر أنّ ملك التتار قازان مسلم وأن غالب جيشه على ملّة الإسلام، وأنّهم لم يتبعوا المنهزمين، وبعد انفصال الوقعة لم يقتلوا أحدا ممّن وجدوه؛ وإنما يأخذون سلاحه ومركوبه ويطلقونه، فسكن بذلك روع أهل دمشق قليلا،