شعبان خطب للملك الناصر بدمشق وانقطع منها اسم المظفّر، وصليت الجمعة بالميدان فكان يوما مشهودا؛ وفى ذلك اليوم قدم الأمير قراسنقر نائب حلب، والأمير قبجق نائب حماة، والأمير أسندمر كرجى نائب طرابلس، وتمر السّاقى نائب حمص، فركب السلطان إلى لقائهم وترجّل إلى قراسنقر وعانقه وشكر الأمراء وأثنى عليهم؛ ثم قدم الأمير كراى المنصورىّ نائب القدس والأمير بكتمر الجو كندار نائب صفد، ثم قدّم كلّ من الأمراء والنوّاب تقدمته بقدر حاله ما بين ثياب أطلس وحوائص ذهب وكلفتاة «١» زركش وخيول مسرجة، فى عنق كل فرس كيس فيه ألف دينار وعليه مملوك، وعدّة بغال وجمال بخاتىّ وغير ذلك. وشرع الملك الناصر فى النفقة على الأمراء والعساكر الواردة عليه مع النوّاب. فلما انتهت النفقة قدم بين يديه الأمير كراى المنصورىّ على عسكره إلى غزّة فسار إليها، وصار كراى يمدّ فى كلّ يوم سماطا عظيما للمقيمين والواردين عليه، فأنفق فى ذلك أموالا جزيلة من حاصله، واجتمع عليه بغزّة عالم كثير وهو يقوم بكلفهم ويعدهم عن السلطان بما يرضيهم.
وأما الملك المظفّر فإنه قدم عليه الخبر فى خامس عشرين شعبان باستيلاء الملك الناصر على دمشق بغير قتال، فعظم ذلك على الملك المظفّر وأظهر الذلّة، وخرجت عساكر مصر شيئا بعد شىء تريد الملك الناصر حتى لم يبق عنده بالديار المصرية سوى خواصّه من الأمراء والأجناد.
وأمّا الأمير برلغى ومن معه من الأمراء صار عساكرهم تتسلّل واحدا بعد واحد حتى بقى برلغى فى مماليكه وجماعة من خواصّ الملك المظفّر بيبرس، فتشاور برلغى مع جماعته حتى اقتضى رأيه ورأى آقوش نائب الكرك اللّحاق بالملك الناصر أيضا،