ثم قدم عليه منجك السلاح دار برأس أخيه الملك الناصر أحمد من الكرك، فلمّا قدم بين يديه ورآه بعد غسله اهتزّ وتغيّر لونه وذعر، حتّى إنه بات تلك الليلة يراه فى نومه ويفزع فزعا شديدا، وتعلّل من رؤيته، وما برح يعتريه الأرق ورؤية الأحلام المزعجة، وتمادى مرضه وكثر إرجافه، حتى اعتراه القولنج، وقوى عليه حتّى مات منه فى يوم الخميس «١» المذكور، ودفن عند أبيه وجدّه الملك المنصور قلاوون بالقبّة المنصورية «٢» فى ليلة الجمعة خامس شهر ربيع الآخر، فكانت مدّة ملكه بالديار المصرية ثلاث سنين وشهرين وأحد عشر يوما. وقال الصفدى:
ثلاث سنين وشهرا وثمانية عشر يوما. وتسلطن من بعده أخوه شقيقه شعبان ولقّب بالكامل. وعمل للملك الصالح العزاء بالديار المصرية أياما كثيرة، ودارت الجوارى بالملاهى يضربن بالدفوف، والمخدّرات حواسر يبكين ويلطمن، وكثر حزن الناس عليه ووجدوا عليه وجدا عظيما.
*** السنة الأولى من سلطنة الملك الصالح إسماعيل على مصر، وهى سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة.
فيها توفّى الشيخ «٣» الإمام برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد السّفاقسىّ المالكىّ فى ذى الحجّة. وكان إماما فقيها بارعا أفتى ودرّس سنين، وله مصنّفات مفيدة، منها:«إعراب «٤» القرآن» «وشرح ابن الحاجب فى الفقه» وغير ذلك.