وأول ما بدأ بدمشق، كان يخرّج خلف أذن الإنسان بثرة فيخرّ صريعا، ثمّ صار يخرج للإنسان كبّة «١» فيموت أيضا سريعا، ثمّ خرجت بالناس خيارة فقتلت خلقا كثيرا، ثم صار الآدمىّ يبصق دما ويموت من وقته، فاشتدّ الهول من كثرة الموت، حتّى إنه»
أكثر من كان يعيش ممن يصيبه ذلك خمسين ساعة. وبلغ عدّة من يموت فى كلّ يوم بمدينة حلب خمسمائة إنسان، ومات بمدينة غزّة فى ثانى المحرم الى رابع صفر- على ما ورد فى كتاب نائبها- زيادة على اثنين وعشرين ألف إنسان، حتى غلقت أسواقها، وشمل الموت أهل الضّياع بها، وكان آخر زمان الحرث، فكان الرجل يوجد ميتا خلف محراثه، ويوجد آخر قد مات وفى يده ما يبذره. ثمّ ماتت أبقارهم؛ وخرج رجل بعشرين رأس بقر، لإصلاح أرضه فماتوا واحدا بعد واحد، وهو يراهم يتساقطون قدّامه، فعاد إلى غزّة.
ودخل ستّة نفر لسرقة دار بغزّة فأخذوا ما فى الدار ليخرجوا به فماتوا بأجمعهم، وفرّ نائبها الى ناحية بدّعرش «٣» ، وترك غزّة خالية، ومات أهل قطيا وصارت جثثهم تحت النخل وعلى الحوانيت، حتى لم يبق بها سوى الوالى وغلامين وجارية عجوز، وبعث يستعفى، فولّى عوضه مبارك، أستادار طغجى.
ثمّ عمّ الوباء بلاد الفرنج، وابتدأ فى الدوابّ ثمّ فى الأطفال والشباب، فلمّا شنع الموت فيهم جمع أهل قبرس من فى أيديهم من أسرى المسلمين وقتلوهم جميعا من بعد العصر إلى المغرب، خوفا من أن تفرغ الفرنج فتملك المسلمون قبرس، فلما كان بعد العشاء الأخيرة هبّت ريح شديدة، وحدثت زلزلة عظيمة، وامتدّ البحر