فى المينة نحو مائة قصبة، فغرق كثير من مراكبهم وتكسّرت، فظنّ أهل قبرس أنّ الساعة قامت، فخرجوا حيارى لا يدرون ما يصنعون. ثمّ عادوا إلى منازلهم، فإذا أهاليهم قد ماتوا، وهلك لهم فى هذا الوباء ثلاثة ملوك، واستمرّ الوباء فيهم مدّة أسبوع، فركب منهم ملكهم الذي ملّكوه رابعا، فى جماعة فى المراكب يريدون جزيرة بالقرب منهم، فلم يمض عليهم فى البحر إلا يوم وليلة ومات أكثرهم فى المراكب، ووصل باقيهم الى الجزيرة فماتوا بها عن آخرهم، ووافى هذه الجزيرة بعد موتهم مركب فيها تجّار فماتوا كلّهم وبحّارتهم إلا ثلاثة عشر رجلا، فمرّوا إلى قبرس فوصلوها، وقد بقوا أربعة نفر فلم يجدوا بها أحدا فساروا إلى طرابلس، وحدّثوا بذلك فلم تطل مدّتهم بها وماتوا
وكانت المراكب إذا مرّت بجزائر الفرنج لا تجد ركّابها بها أحدا، وفى بعضها جماعة يدعونهم أن يأخذوا من أصناف البضائع ما أحبّوا بغير ثمن لكثرة من كان يموت عندهم، وصاروا يلقون الأموات فى البحر، وكان سبب الموت عندهم ريح تمرّ «١» على البحر فساعة يشمّها الإنسان سقط، ولا يزال يضرب برأسه إلى الأرض حتى يموت.
وقدمت مراكب الى الإسكندرية، وكان فيها اثنان وثلاثون تاجرا وثلثمائة رجل ما بين بحّار وعبيد، فماتوا كلّهم ولم يصل منهم غير أربعة من التجّار وعبد واحد، ونحو أربعين من البحّارة.
وعمّ الموت جزيرة الأندلس بكمالها إلا جزيرة غرناطة «٢» ، فإنهم نجوا، ومات من عداهم حتى إنه لم يبق للفرنج من يمنع أموالهم، فأتتهم العرب من إفريقية