للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو ليلتين، فلم يبق أحد إلا وغلب على ظنه أنه يموت بهذا الداء، واستعدّ الناس جميعا وأكثروا من الصّدقات، وتحاللوا وأقبلوا على العبادة، ولم يحتج أحد فى هذا الوباء إلى أشربة ولا أدوية ولا أطبّاء لسرعة الموت، فما انتصف شوّال إلا والطرقات والأسواق قد امتلأت بالأموات، فانتدب جماعة لمواراتهم وانقطع جماعة للصلاة عليهم، وخرج الأمر عن الحدّ، ووقع العجز عن العدد، وهلك أكثر أجناد الحلقة وخلت الطّباق بالقلعة من المماليك السلطانية لموتهم.

فما أهلّ ذو القعدة إلا والقاهرة خالية مقفرة، لا يوجد بشوارعها مارّ، بحيث إنه يمرّ الإنسان من باب زويلة إلى باب النصر «١» فلا يرى من يزاحمه، لاشتغال الناس بالموتى، وعلت الأتربة على الطّرقات، وتنكّرت وجوه الناس، وامتلأت الأماكن بالصّياح، فلا تجد بيتا إلا وفيه صيحة، ولا تمرّ بشارع إلا وترى فيه عدّة أموات.

وصلّى فى يوم الجمعة بعد الصلاة على الأموات بالجامع «٢» الحاكمىّ فصفّت التوابيت اثنين اثنين من باب مقصورة الخطابة إلى باب الجامع، ووقف الإمام على العتبة والناس خلفه خارج الجامع. وخلت أزقّة كثيرة وحارات عديدة من الناس، وصار بحارة برجوان»

اثنتان وأربعون دارا خالية، وبقيت الأزّتمة والدّروب المتعدّدة