ملكه على يد أقرب الناس إليه من مماليكه وخواصّه، وهم: يلبغا العمرى وطيبغا الطويل وتمان تمر وغيرهم وهم من مشترواته، اشتراهم ورباهم وخوّلهم فى النعم ورقاهم إلى أعلى المراتب، خوفا من أكابر الأمراء من مماليك أبيه، فكان ذهاب روحه على أيديهم، وكانوا عليه أشدّ من تلك الأمراء، فإنّ أولئك لما خلعوه من السلطنة بأخيه الملك الصالح، حبسوه بالدور من القلعة مكرما مبجّلا، وأجروا عليه الرواتب السنيّة، إلى أن أعادوه إلى ملكه ثانيا، وهم مثل شيخون وصرغتمش وقبلاى النائب وغيرهم، فصار يتذكّر ما قاساه منهم فى خلعه من السلطنة وتحكّمهم عليه، فأخذ فى التدبير عليهم حتى قبض على جماعة كثيرة منهم وأبادهم. ثم رأى أنه ينشئ مماليكه ليكونوا له حزبا وعضدا، فكانوا بعكس ما أمّله منهم، ووثبوا عليه، وكبيرهم يلبغا المقدّم ذكره، وعندما قبضوا عليه لم يمهلوه ساعة واحدة، وعندما وقع نظرهم عليه قتلوه من غير مشاورة بعضهم لبعض، موافاة لحقوق تربيته لهم وإحسانه إليهم، فكان بين فعل مماليك أبيه به وبين فعل مماليكه له فرق كبير، ولله در القائل:
معاداة العاقل، ولا مصاحبة الجاهل.
قلت: لا جرم أنّ الله تعالى عزّ وجلّ عامل يلبغا المذكور من مماليكه بجنس ما فعله مع أستاذه، ووثبوا عليه وقتلوه أشرّ قتلة، على ما سيأتى ذكره إن شاء الله تعالى.
واستولى يلبغا العمرى الخاصكىّ على القلعة والخزائن والسلاح والخيول والجمال، وعلى جميع ما خلفه أستاذه الملك الناصر حسن، وأقام فى المملكة بعده ابن أخيه الملك المنصور محمد ابن الملك المظفّر حاجّى ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون كما سيأتى ذكره بعد حوادث سنين الملك الناصر حسن، كما هى عادة هذا الكتاب.