أنّ الملك الأشرف شعبان هذا كان من فطنته وذكائه يعرف غالب أحوال القلاع الشامية وغيرها ويعرف كيف تؤخذ ومن أين تحاصر معرفة جيّدة.
قلت: هذا دليل على الذّكاء المفرط والتيقّظ في أحوال مملكته. انتهى.
ورأيت أنا كثيرا من المماليك الأشرفيّة وبهم رمق وقوّة في أوائل الدولة الأشرفية برسباى منهم الأمير آق سنقر الأشرفىّ الحاجب وغيره وكانت أيام الملك الأشرف شعبان المذكور بهجة وأحوال الناس في أيامه هادئة مطمئنّة والخيرات كثيرة، على غلاء وقع في أيامه بالديار المصرية والبلاد الشامية ومع هذا لم يختلّ من أحوال مصر شىء لحسن تدبيره ومشى سوق أرباب الكمالات في زمانه من كل علم وفن؛ ونفقت في أيامه البضائع الكاسدة من الفنون والملح وقصدته أربابها من الأقطار وهو لا يكلّ من الاحسان إليهم في شىء يريده وشىء لا يريده، حتى كلّمه بعض خواصّه في ذلك، فقال- رحمه الله-. أفعل هذا لئلا تموت الفنون في دولتى وأيامى.
قلت. لعمرى إنه كان يحشى موت الفنون والفضائل؛ ولقد جاء من بعده من قتلها صبرا، قبل أوان موتها ودفنها في القبور وعفّى أثرها، وما أحسن قول أبى الطيب أحمد بن الحسين حيت يقول:
على قدر أهل العزم تأتى العزائم ... [وتأتى «١» على قدر الكرام المكارم]
[الطويل] وخلّف الملك الأشرف [رحمه الله] من الأولاد ستّة بنين، وهم الملك المنصور علىّ الذي تسلطن من بعده على ما يأتى ذكره وذكر من قام بسلطنته مفصّلا- والملك الصالح أمير حاج وقاسم ومحمد وإسماعيل وأبو بكر وولدت بعده خوند سمراء جاريته ولدا سمّوه أحمد فصاروا سبعة.