الناصرى في هذه الوقعة أحدا غيره لا قبله ولا بعده، أعنى صبرا، غير أن جماعة كبيرة قتلوا في المعركة ورد الخبر بنصرتهم على الملك الظاهر، فلم يغترّ بذلك وعلم أن أمره قد زال، فأخذ في تدبير أمره مع خواصّه، فأشار عليه من عنده أن يستأمن من الناصرى، فعند ذلك أرسل الملك الظاهر الأمير أبا بكر بن سنقر الحاجب والأمير بيدمر المنجكىّ «١» شادّ القصر بالمنجاة إلى الأمير يلبغا الناصرىّ أن يأخذا له أمانا على نفسه ويترقّقا له، فسارا من وقتهما إلى قبّة النصر ودخلا على الناصرى وهو بمخيّمه واجتمعا به في خلوة فآمنه على نفسه وأخذ منهما منجاة الملك وقال الملك الظاهر: أخونا وخشداشنا ولكنّه يختفى بمكان إلى أن تخمد الفتنة، فإن الآن كلّ واحد له رأى وكلام، حتى ندبّر له أمرا يكون فيه نجاته، فعادا بهذا الجواب إلى الملك الظاهر برقوق وأقام السلطان بعد ذلك في مكانه مع خواصه إلى أن صلّى عشاء الآخرة وقام الخليفة المتوكل على الله إلى منزله بالقلعة على العادة في كل ليلة وبقى الملك الظاهر في قليل من أصحابه، أذن لسودون النائب في التوجّه إلى حال سبيله والنظر في مصلحة نفسه، فوادعه وقام ونزل من وقته. ثمّ فرّق الملك الظاهر بقية أصحابه، فمضى كلّ واحد إلى حال سبيله.
ثمّ استتر الملك الظاهر وغيّر صفته، حتى نزل من الإسطبل إلى حيث شاء ماشيا على قدميه، فلم يعرف له أحد خبرا وانفصّ ذلك الجمع كله في أسرع ما يكون وسكن فى الحال دقّ الكوسات ورمى مدافع النفط ووقع النهب في حواصل الإسطبل حتى أخذوا سائر ما كان فيه من السّروج واللّجم وغيرها والعبىّ ونهبوا أيضا ما كان بالميدان من الغنم الضأن وكان عدّتها نحو الألفى رأس ونهبت طباق المماليك بالقلعة